للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا شك عندنا في مشروعية الطلاق وضرورته للهيئة الاجتماعية ولكن لا شك أيضاً في أنه من كبريات المصائب التي تنزل بالعائلة فيفصم عراها ويدك أركانها ويفك روابط الألفة والوداد ويغرس بين الناس بذور الحقد والضغينة فلا يحسن الالتجاء إليه إلا إذا استفحل الشقاق بين الزوجين واستحال التوفيق بينهما، ألا ترى أن الجراح لا يقدم على بتر عضو مريض إلا إذا استعصى الداء ويئس الطبيب من معالجته وخاف على بقية الجسم من الهلاك. وإذا لم نتقصد في الطلاق جهد الاستطاعة اختل ميزان الأمة واعتلت صحتها، وإذا لم يكن الجراح ماهراً أنزل بمرضاه مصائب جمة وأودى بحياة كثيرين منهم. ولو كان الطب مباحاً لجميع الناس يحترف به من أراد وإن كان جاهلاً لفتكت الأمراض بالنفوس وحصد الجهل حياة كثيرين من الأقوياء. ومتى كان الطلاق فوضى يقع بمجرد صدور لفظه من أي إنسان بقصد وبغير قصد فأخلق بالأمة أن تكون هزيلة القوى مفككة الروابط.

الطلاق شر عوامل الفساد وتحليل للعائلة. والعائلة للأمة بمثابة الخلاية للجسم الحي. وإن يكن في الخلاية قوة تدفع بها عادية الفساد عن نفسها غير أنه يستحسن اتقاء الخطر قبل وقوعه واستئصال جذوره قبل أن تنمو وتشتد. والقوة الحافظة لكيان العائلة الأطفال وتحاب الزوجين وتقاربهما في الأخلاق والمشارب. ولكن السآمة وإتباع الهوى وضعف الأخلاق والوقوع في حب شخص غريب عوامل حرب وتفريق إن لم نقطع عليها طريقها ولم يقلم الشارع من أظفارها فإنها قد تتغلب على عوامل الألفة وتقتلع الروابط العائلية فتذر العائلة أنقاضاً وتمسي الأمة واهية القوى.

يقول أحد الفقهاء الطلاق سم قليله دواء وكثيره قتال وأول ما يقتل نفوس الأطفال ينتزعهم من أحضان أمهاتهم ويلقبهم بين مخالب الضرات فينشبن فيهم أظفارهن. ويمزقن قلوبهن الصغيرة ويقتلن أخلاقهن الطاهرة بما يرهقن به أجسامهن من الضرب المبرح والكلام القارص وسوء الغذاء وقذارة الثياب وحقارتها. ولا أضر على الأفراد والأمم من تربية الذل والإرهاق ولا أدعي إلى الجبن والكذب من القسوة مع الأطفال.

والحسد أشد ما يكون بين الأقارب وكلما دنت القرابة ازداد سعيراً فهو بين الأخوة فيما لو وجدت أسبابه على قمة غليانه، وهل يثير الأحقاد مثل التفرقة في المعاملة؟ يشقى أولاد المطلقة وينعم أولاد الأخرى.