للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمل والمستقبل]

مازيني في طليعة قواد الوطنية ومن اعز الأصدقاء الإنسانية في القرن التاسع عشر وإن اسمي مزايا العظيم أن يعيش للنوع لا لنفسه وإن العظيم يقبل إلى السكون وهو عالم إنه ليس له مطلق السيادة على نفسه فإن صوت ضميره يذكره دائماً أن يعيش لإسعاد من حوله وهو بطبعه من أجنح الناس وأميلهم إلى قول أوجست كونت عش للناس وهو مدفوع بجبلته وغريزته إلى ذلك وإذا تلوم عليه فإن ما يصيبه من الندم أشد مما عسى أن يلاقيه من الألم ولذا قال رينان العظيم أبعد الناس عن الحرية وإن الإنسانية لتعجز عن قضاء ديونها للعظماء وإنه لولاهم لكانت أكثر النفوس صحراوات مجدبة ومغارات مظلمة. وينبغي أن يكون حبنا للبطل وإعجابنا به قريبين من حد العبادة وذلك لأن البطل صورة من صور اللانهائية وإن الروعة التي تداخل النفس عند النظر إلى الأبطال نشبه الإحساس الذي تستشعره النفس عند مشاهدة غابة فسيحة الأرجاء باسقة الأشجار أو رؤية بحر عجّاج متلاطم الأمواج إلى أمثال هذه المشاهد التي تحرك في أعماق نفوسنا الشعور الديني لما فيها مرائي اللانهائية وصورها ونرى في مازيني مثلاً أعلى في إنكار الذات قال عنه كارليل (مازيني رجل فضيلة وعبقرية وأحد هؤلاء الرجال النوادر الذين يجدر بنا أن نسميهم الأرواح الشهيدة) وقد كان مازيني من رواد الكمال وعشاقه وكانت في أخلاق القديسين وطهارتهم وصفات الأبطال وأعمالهم.

وقد نشأ مازيني فوجد أوطانه مفككة الأوصال مصدوعة القوى فساءه أن يرى إيطاليا المشرقة الجميلة مهد الحضارة الرومانية وأرض بروتس ودانتي وقد استعبدها النمساويون القساة الغلاظ القلوب وعز عليه أن يسوم النمساويون أبناء وطنه سلالة الرومان الأمجاد الخسف والعبودية ويحجبوا عنهم ضوء الحرية المقدس ونور العلم والعرفان وآلم نفسه كل ذلك فامتشق سيف الجهاد وكان يطارد شرور الحياة بقوة الأمل. وقد كان ثابتاً في جهاده فلا يستهويه النجاح ولا يكسر من عزيمته الفشل.

وقد كان في مازيني بشر سكان الجنوب وتفاؤلهم ولكن السنوات الطويلة الموقرة بالحزن التي قضاها في سويسرة وتحت سماء لندن الغائمة المربدة بعيداً عن سماء إيطاليا الطلقة الصافية قللت من بشره وغبطت من بشاشته فكان لا يزايله اكتئاب صامت شجى كالغيمة الرقيقة الشفافة التي تعلو صفحة القمر الباهر. وكان هذا الحزن يزيد نفسه ملائكية ويبث