للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[باب الزراعة]

زراعة القطن

الفلاحة المصرية عبارة عن معارف وقواعد توصل إليها الفلاحون بمشاهداتهم واختباراتهم المتوالية والمتداولة بينهم خلفاً على سلف وحتى الآن لم يدون منها إلا قليل من كثير وإذاً فلا مندوحة لطلابها من الرجوع إلى عرف أهلها وهو يختلف باختلاف بيآت الأرض ومراتبها ووسائل فلاحتها وإذا كانت معرفة هذا العرف الزراعي صعبة لما تقتضيه من المثابرة في البحث والاستقصاء وقوة الإدراك في تخليصه مما يغشاه أحياناً من الإبهام والأوهام فإن تطبيق قواعده في استغلال الأرض وتكييفها حسبما تستدعيه الظروف أصعب لما يقتضيه من حسن التمييز ودقة الملاحظة وقوة الفطنة في إرجاع المسببات في أسبابها الحقيقية وذلك لا يتم إلا بالمرانة والتدريب الطويلين وبعد فإني سأتي فيما يلي على مشاهدات لبعض مهرة الزراع في تحريهم إجراء تلك القواعد مجرى العمل الصحيح.

في زراع القطن الرجيع

كل نبات يفرز بجذوره مادة يفيده إفرازها ولكنها إذا ظلت في التربة وتلاه زرع من صنفه أضرت بهذا الزرع التالي وهذا من دواعي رداءة القطن الرجيع (القطن بعد القطن) ولملافاة ذلك يجب تطهير التربة من تلك المادة السامة حتى يقل أو ينعدم تأثيرها، ويتم هذا التطهير بغسل الأرض وترويحها وإحرارها، وللوصول إلى ذلك يزال أثر الزراعة السابقة من الأرض فيقلع حطب القطن قلعاً وتدمس الأرض قبل الحرث مرة وقبل الزرع مرة أخرى سواء كانت أثناء الحرث أو بعد التخطيط وتهويتها وتشميسها سيما أثناء الحرث مدة كافية وبعد زراعتها تظل بدون محاياة إلى أن يقوى نبتها ويخف لأن تبكير محاياة القطن الرجيع تسبب تسقيطه وبدون استيفاء الإجراءات الآنفة الذكر يضعف نمو النبات للغاية.

شاهدت هذا العام غيطاً من غيطان القطن يراد زراعته رجعياً وكانت إزالة الحطب منه تقطيعاً لا تقليعاً (وهذا من دواعي الرادءة لأن أثر الجذر السابق يعاكس نمو الجذر اللاحق ولذلك اضطررنا لجمعها من الأرض بكلفة كان يمكن اقتصادها لو روعي ذلك من قبل) ثم دمست الأرض واستجعل فلاحها فحرثها وهي طرية نوعاً ما وذلك يستدعي ضعف نباتها أول نشأته سيما إذا لم تسمد سماداً كافياً وبعد أن تم حرث الأرض وتخطيطها ومسحها