للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[العلوم والفنون]

عجائب الطبيعة

حكى رجل فرنسي من المولعين بالأسفار قال: ركبت سفينة بخارية شراعية وهي أول سفينة صنعت لتسير بالبخار لم تبلغ آلاتها من الاتقان المبلغ الذي وصلت إليه الآلات الحديثة وكنا نفاخر بهذه السفينة ونحرص عليها كأثر نفيس لأن أجدادنا الذين لم تسبق لهم رؤية فعل البخار كانوا يعدونها من معجزات الأيام.

وفيما نحن سائرون في عرض البحر والليل قد أرخى سدوله هبت علينا ريح زعزع هصرت القلوع وكسرت الادقال ومرقت بنا السفينة كالسهم إلى لج البحر الخضم وطغت علينا الأمواج فدخلت إلى قلب السفينة وكادت تطفئ حرارة المرجل الذي يولد البخار فيها فهلعت نفوس الركاب وهرعوا إلى الربان يسألونه رأيه في مصيرهم فقال أنه لا حيلة له في مغالبة الطبيعة ولم يعد في وسعه إلا التسليم ليد الأقدار.

وظللنا الليل كله على هذه الحال نعالج سكرات المنون والأمواج تعج وتزأر فترتفع بنا الماعونة كما إلى قمة جبل ثم تهبط إلى العمق وجوانبها تهصر هصر أو العواصف تزداد اشتداداً والموت منا قاب قوسين أو أدنى وكأنما السفينة والرياح التي تتلاعب بها منجذبتان معاً بقوة خفية هائلة. شخصنا حينئذ إلى الأفق فرأينا نقطة سوداء وأخذت هذه النقطة تكبر شيئاً فشيئاً إلى أن تبينا الأرض وليتنا ما تبيناها فإنها كانت صخوراً شاهقة مائلة في الفضاء تسوقنا إليها الرياح رغم أنوفنا.

انشق عمود الفجر ولاحت تباشير النور وظهرت في سفح الكهف ثغرة سوداء واسعة كانت الريح تجري إليها وكنا نحن والعاصفة معاً نساق إلى قلب الأرض سوقاً وكأنما الأرض فغرت فاها لابتلاعنا وفيما نحن في هذا الذهول أنذرنا جرس الخطر بالاصطدام ولم يكن إلا كلا ولا حتى اصطدمت السفينة بسور من حديد صدمة مزقت أوصالها وأطارت شظاياها إلى كل ريح وقد قذفت بي إلى فوق كالقنبلة تخرج من فم المدفع وفي الحال غاصت السفينة إلى الأعماق.

كل هذا جرى وأنا فاقد الشعور لما أصابني من الذهول ولم أع إلا وأنا فوق الماء وحولي الخشب المبعثرة وأطواق الحديد الملتوية. ثم سكنت الريح بغتة وجزر ماء البحر فحمل معه