للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإسلام في الصين]

الحياة مد وجزر. ومستقبل العالم يضطرب الآن في جوف الزمن، والمجزرة المفترسة في الغرب اليوم قائمة، والغربيون يتقاتلون الساعة على الحياة، ويتصارعون على سيادة الأرض، وكل أمة من أممه تسوق أشد فتيانها وأصلح شَبَابها للمذبحة، وتدفع بسلسلة ماضيها ومجهوداتها وأذهانها وحضاراتها وآدابها إلى المقبرة، والحرب ولا ريب طاحنتهم وقاتلة مدنياتهم وملتهمة كل أثر قوي في الحياة عندهم، وسيذبل الغالب والمغلوب، نعم وستبيد الحرب قواهم المنتجة، وستنهك أعصابهم الصلبة، وتذوي أذهانهم المضطرمة الجبارة، وسوف لا تبقي ولا تذر إلا الضعفاء والولدان والشيوخ والمهازيل والأقزام من أهلها، ولن يحدث هذا الجزر المخيف في الغرب إلا مداً طاغياً فياضاً في الشرق، لأن سكون ريح القوى يرسل النشاط والحرارة وأعراض الحياة القوية في الضعيف، وسينهض الشرقيون بعد هذه الحرب الغريبة من ضجعتهم عند أقدام الغرب، وسينتبهون للحياة ويحسونها، وستثور نفوسهم عظمة الماضي المتطاول البعيد، وستشد أعصابهم وأذهانهم التي ابتردت من آثار الخمول والاستنامة والفتور، ومن يدري فلعل هذا الشرق المستضعف الساكن اليوم، المطل من ضجعته على الغرب في مجزرته، مخرج بعد زمان تيمور لنكاً جديداً، وجنكيز خاناً عصرياً، وعمراً ثانياً، وخالداً وعلياً وهاروناً وقتيبة وصلاحاً آخرين، وكذلك تأبى الحياة إلا أن تكون مداً وجزراً، والزمان دول، والمدنيات كمحدثيها يجري عليها من نواميس الطبيعة ما يجري على الناس.

وإذا كان كذلك فنحن خلقاء أن نُعني بالبحث في حاضر أمم الشرق وشعوبه، وما يمس الحياة فيها، ولا سيما ما يتعلق بالمسلمين وأحوالهم، ومن هنا فقد عزمنا على أن نجيء في كل عدد من الأعداد القادمة ببحث مستطيل في حاضر إحدى أمم الشرق حتى يكتمل الكلام عليها جميعاً، وحتى يلم القراء بشؤون الشرق وأحواله وأسباب ضعفه واستكانته، والقوة الكامنة في حاضره وما يمكن أن يكون من مستقبله.

ونحن اليوم بادئون بالكلام على المسلمين في المملكة الصفراء وحالهم الحاضرة.

يقول ستانلي لين بول، وهو من كبار مؤرخي الإسلام والشرق في هذا العصر - وهو الذي نلخص عنه هذا البحث - إن تاريخ الإسلام هو سلسلة مستطيلة من المدهشات، فإنه منذ خرج إلى الأرض وفاض فيضه، حير الألباب وأدهش العالم جميعاً، ولم يفتأ الإسلام منذ