للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[قصة الكاس]

للكاتب الألماني لودويج تيك

نقلها إلى العربية الكاتب الفاضل علي أفندي أدهم

(الفصل الأول)

كانت أجراس الظهر تدق في الكنيسة الكاتدرائية العالية، وفي الساحة المنبسطة أمام الكنيسة كان الرجال والنساء في جيئة وذهوب، ورواح وغدو وكانت العربات تكر وتسير، وكان القساوسة يحثون الخطى متجهين إلى كنائسهم المختلفة، وكان فرديناند واقفاً على السلم العريض يرمق الناس وهم قادمون للصلاة وكانت أشعة الشمس تلمع على الأحجار البيضاء، وكان الكل يبحثون عن ملجأ يرد لوافح الشمس وحرها، ويقيهم اصطكاك الهواجر وأوارها، وكان هو الوحيد الذي قضى وقتاً طويلاً معتمداً على عمود بين الأشعة الحارة اللافحة غير محتفل بها كأنه لا يحس وقداتها ولا يتأذى بلسعها لأنه كان مستغرقاً في طوائف من الذكر كانت تنتظم في سلك ذاكرته، مسترسلاً في أفكار كانت تردد في ذهنه وتبرق، وكان يعيد في نفسه صور أيامه المواضي وعهوده الخوالي.

كان يوقظ في نفسه كل عزيمة راقدة، ويشب منها كل همة خابية بذلك الشعور الطريف الذي تخلل حياته وأفاض صبغته على كل رغباته وجعل أزمتها في يده يصرفها كيف شاء.

في مثل هذه الساعة من العام الفائت كان واقفاً هنا ناظراً إلى النساء والفتيات المجتمعات بقلب غير مكترث ووجه متهلل مشرف، وكان ينظر الحفلة المزينة المزخرفة وكانت تلتقي بألحاظه في مكر وخلابة ألحاظ مترعة بالحنان، وكانت خدود تتورد خجلاً وألحاظ ترتد حياء، وكانت عينه المشغولة تلمح القدم الدقيقة وكبف كانت تصعد درجات السلم وكيف كان الثوب الهفهاف يميل على جوانبه فتظهر من تحت أرساغ القدم اللطيفة، وعند ذلك مرت في الساحة حسناء ريانة الشباب مرتدية سوداء، وكانت نحيفة ضامرة نبيلة الطلعة شريفة المحيا، وكانت غاضة الطرف في انكسار وفتور، وكانت تصعد السلالم غير ملتفتة إلى شيء في حسن مستملح، زكان ثوبها الحريري مفاضاً على أحسن الأشكال وأبرع الصور، ولما بلغت آخر درجات السلم رفعت رأسها بغتة فالتقى لحظها بلحظه فصب في عينه شؤبوباً من الضوء الصافي.