للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[خواطر ليوباردي]

الكونت جياكو موليو باردي أكبر كتاب إيطاليا وشعرائها بعد دانتي. فضله أرنولد - النقادة الانجليزي العظيم - على اللورد بيرون من حيث الكتابة والأسلوب وغزارة الاطلاع والقدرة الفنية، وفضله أيضاً على وردزورث من حيث القوة الشعرية. وقد عاش ليوباردي في أوائل القرن الماضي عيشة معذبة يلاقي الأمرين من اعتلال صحته وسوء معاملة أبيه إياه. ومات وهو في الثامنة والثلاثين، وقد خلف كتباً كثيرة وأشعاراً طويلة ممتلئة بالحزن والكآبة والسخط والألم، ناظراً إلى الحياة نظرة سوداء، غير واجد في المجتمع إلا البؤس والشقاء، وتعد خواطره هذه من أبدع ما كتبه الكتاب من عهد باسكال وبيكون إلى اليوم.

- ١ -

كان الفيلسوف شيلو الذي يعد أحد حكماء اليونان السبعة الذي يقول أنه ينبغي لمن أوتوا بسطة في الجسم أن يكونوا ذوي شمائل عذبة وأخلاق لبينة رقيقة كي يوحوا إلى الناس عاطفة الحب لهم لا الخوف منهم. وكذلك أقول أنه ينبغي لمن أوتوا الأذهان العظيمة أو المواهب الكبيرة أن يعملوا دائماً أبداً على التلطف وحسن المعاشرة، إن لم أقل التواضع الحقيقي لمن حولهم. ينبغي أن يتذكروا عظيم الجريمة التي يجب أن يكفروا عنها، وعناد العدو الذي يجب عليهم إرضاؤه - فالأول تفوقهم، والثاني حسد الناس لهم! وكذلك كان يعتقد القدماء إذا ما رأوا أنفسهم في أوج الرفاهة والنعيم، أنه ينبغي لهم إرضاء آلهتم، فكانوا يقدمون على التضحية وامتهان النفس وتعذيبها تكفيراً عن شيء قلما يكفرون عنه، وهو التنعم والسعادة.

- ٢ -

إن المجتمع مهما تعددت طبقاته يرجع إلى قسمين: نفر قوي يتحكم وآخر يشقى من جراء هذا الحكم. وما من قانون أو قوة تستطيع أن تمنع هذه الظاهرة. بل إن الناس مهما تقدمت المدنية وارتقت الفلسفة لا بد منقسمون إلى هاتين الطبقتين. فعلى الذين يستطيعون الخيرة أن يختاروا ما يشاؤون وإن كانت الحقيقة أن الجميع لا يملكون هذا الاختيار في جميع الأوقات.

- ٣ -