جبلت الكائنات الحية على الأثرة وحب النفس فالنبات يمد جذوره في الأرض إلى مسافات بعيدة ويخص نفسه بأوفر نصيب من الغذاء الضروري لحياته ويمانع غيره من أن يقتات بجانبه أو يعيش معه في بقعة واحدة، وإذ كانت المادة المغذية غير كافية للاثنين حاول كل منهما قتل الآخر، وتقتتل الحيوانات فيما بينها طلباً للحياة فتعدوا الضاريات على آكلة النباتات لتقتات بلحومها فتدافع هذه عن نفسها، وينشب بينهما القتال أو تطلق لساقيها العنان، وتتناجز الضاريات فيما بينهما للإنفراد بالبقاء، وكذلك تتناطح آكلة النباتات لتستأثر بالأعشاب وورق الأشجار.
والإنسان مع كل هذه الكائنات في حرب عوان لا يفتر عن مقاتلها ليأمن شر بعضها وليستخدم البعض الآخر في منفعته، وهو مع بني جنسه في عرك مستمر أيضاً ليستقل بخيرات الأرض ونعيمها.
فالأثرة الذاتية أساس كل حياة والعالم قائم على جهاد وقتال، القوي فيه فائز والضعيف مخزوم، وإذا لم يكن بد من أن يكون بعض الناس آكلاً والبعض الآخر مأكولاً فلتكن من الصنف الأول لا الثاني إن أمكن.
ومحبة الغير وهي عاطفة طبيعية في النفس فرع من محبة الإنسان لذاته. فالمرء لا يريد لغيره الخير إلا إذا ناله أو ظن أن يناله خير من جراء ما أصاب هذا الغير. ولا يحافظ المتوحش على حياة أخيه المتوحش إلا لأن أخاه يذب عنه ويعينه على أعدائه.
ولا يقف الإنسان إزاء مصائب غيره جامداً بل يحزن ويتألم، إن وقع نظره على جريح أو مبتور اقشعر بدنه وانتفضت أطرافه، ولو رأى مريضاً توجع له ورثى لحاله ويفزع من أخبار الموت ويجزع منها وذلك لأنه يتمثل نفسه في الحالة التي رأى غيره فيها فتطير نفسه شعاعاً من الألم وتنتابه هذه الحركة القسرية المسماة بالقشعريرة والتي كانت في الأصل حركة اختيارية يراد بها درء الألم. ألا تجد أنك لو رأيت إنساناً مبتور أحد الأعضاء سرت القشعريرة في العضو المقابل له من جسمك وربما تلمست هذا العضو