للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[باب النقد]

حول حفلة تابين الشيخ سلامة

دعيت في من دعى من كهول وشباب، وسراة وفقراء، لاستماع ما تقوله الخطباء والشعراء تأبيناً للشيخ سلامة حجازي، فرأيت وسمعت، ولم أجد بداً من تعقيب تقريظ الصحف اليومية للحفلة بكلمة كان على تلك الصحف أن تقولها من عند أنفسها فلم تقلها استبقاء لمودة فريق وخيفة أن تغضب فريقاً آخر ترهبه ولا تعرف له وداً، ولا أحسب مجلة البيان على تلك الطريقة، ويقيني أنها مذيعة ما يأمر الأدب بإذاعته، وما يقتضي التاريخ أن يعرفه العامة كما يعرفه الخاصة، على أني براء من ألم ما يصيب بعض النفوس من النداء بأن البلد اليوم لا يريد أن يراهم أو يسمعهم يخطبون ويقولون الكلام الموزون الذي يسمونه الشعر، وليس إعجاب الجهال بهم مسيغاً لهم أن يتمادوا في عمايتهم وإنحائهم على اللغة بفاحش اللحن وعلى الأدب بتعويج الأسلوب، وعلى الفلسفة بالتخبط وإنزال الظنون منزلة اليقين في طويل عريض من اللغو لا يفهمونه وهم أربابه فمستحيل أن يفهمه الناس، وليتهم قاموا لذلك في مواطن المهاترة والمهاذرة بتبادل الآراء، فكنا ننتظر الصواب يأتي بعد خطلهم، ولكن الحفلة حفلة تأبين، ولم يرهم السامعون أبنوا الرجل بشيء، وما كان إلا أن نهض واحد يتكلم عما سماه العبقرية وآخر يتكلم عما تفعله الموسيقى بالنفس، وآخرون يتأوهون وينادون بأن حزنهم على الحجازي شديد، ولولا كلمة جاءت من خليل المطران وقرأها جورج طنوس لخرجنا ونحن لم نسمع شيئاً فإن هذا الشاعر هو الذي أبن صديقه التأبين الصحيح فذكر طائفة من أعماله ومآثره الفنية وصفة حياته واستخلص من كل أولئك أنه رجل جليل حقيق بأن يخلد ذكره في قومه، فأحسن ما شاء، ولا غرو فإنه خليل المطران، أما الشعراء فلم أر منهم من أجاد غير مجد الدين أفندي ناصف وجورج أفندي طنوس، ولو أحسنت ملياً ديان إلقاء توشيحها لجاء حسناً، ولكنها ولا أعلم كيف كان ذلك عجزت عن إلقائه كما انتظره منها الناس، ولست عاتباً على أحد عتبي على عمر بك عرف، وابراهيم أفندي رمزي واسماعيل بك عاصم، وجورج أفندي طنوس، فإن عمر بك كاتب مجيد، وخطيب مشهور معترف له بالبيان، وكان مستطيعاً أن يسمعنا خطبة يضمنها أبلغ الرثاء، ولكنه تجاوز صناعته إلى الشعر فرمانا بمنظومة كانت تقطر ركاكة وتفككاً،