للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذلك كانت منظومة ابراهيم أفندي رمزي وهو صديق الشيخ سلامة العارف بحياته، ولو أرسل كلامه نثراً استطاع أن يرضى المحفل ولا يغضبه، واسماعيل بك عاصم رجل من أبناء الجيل الماضي، مطبوع على السجع ولو لم يفد المعنى لا فرق بينه وبين توفيق أفندي عزوز إلا في أواخر الجمل، فإنها من عند الأول مقيدة لا تقع إلا مرة واحدة ثم لا تقوم وهي من عند الثاني مرسلة تشج رأس هذا وتفقأ عين هذا، وكان الأجمل باسماعيل بك أن يتنحى عن أمر ندب المؤبنين لغيره، فإن هذا الزمن غير الزمن الذي كان يحسن فيه أن يقال وليتقدم الشاعر المأنوس، جورج طنوس وهذا الشاعر، الذي أقيمت له المنابر، وسيف الله الباتر، أسعد داغر وهذا هو الشاعر الذي يعرفه الجمهور، محمد بك تيمور أما جورج أفندي طنوس فكان كاتب سر الحفلة وهو بصير بمواقع الكلام وكان عليه أن يقف بين أولئك المتكلمين وبين الناس فيمنع منظومهم ومنثورهم، إلا ما يراه حسناً أو جيداً، وهو لم يفعل هذا بل تركهم يتناوبون إيذاءنا بأسماعنا ما لا نريد أن نسمع من كلام قضوا في ثلاث ساعات ومحصله كله من أوله إلى آخره أن النابغة من الرجال ينبغ وهو صغير الشأن فيعلو وقليلاً ما يأتي الزمان بذلك الرجل، وإن الموسيقى فن جميل، والتمثيل جميل، والشيخ نابغة موسيقى ممثل، ولم يقل أحد كيف كان هذا إلا خليل المطران كما رأيت وإذا كان ما يستعاذ منه فقصيدة الدباغ فإن المقام مقام تأبين وهو قد جاء بهزل سقيم في قصيدة جل ألفاظها دهن ولحم وشحم وجلد وأدم فكانت تشتم منها رائحة المطابخ ولم يشك سامع في أن أحد الطهاة صنعها له وكتبها على مائدة حفظها منها، ولعل ما لقيه أكثر المؤبنين من سخرية شهود الحفلة واستهزائهم وضحكهم وإعراضهم زاجر لهم عن غشيان مثل هذا المحفل بعد اليوم، ولعل هذه البادرة متبوعة بالارتقاء الذي نؤمله إن شاء الله.

ومما لاحظته أن حثالة الجمع - ولكل كأس حثالة - كانوا يبهرهم الإلقاء فيصفقون لبعض الناظمين والناثرين فلا يصفق معهم العارفون بمواقع الكلام، وليس هذا ذنب المصفقين، ولكنه دليل على أن رقاع الدعوة كانت مباحة لمن يريدها كائناً من كان، وتلك مخزية تشهد بأننا فوضى لا هداة لنا، وربما فهم الذين لا يعرفوننا أننا لا نفرق بين الغناء والصياح، ولهم العذر فقط تقطعت الأيدي بالتصفيق لقصيدة عبد الحليم المصري وربما نشرها المقطم أو الأهرام فرأيت ضعفها، لأنه أجاد إلقاءها، ولم تهتز لهم شعرة عند استماع قصيدة أسعد