للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية الطبيعية]

أو

أميل القرن الثامن عشر

وضعه جان جاك روسو

وعربه ابراهيم عبد القادر المازني

الكتاب الأول

الطفولة - مبادئ عامة

كل شيء حسن لدن يخرج من يد الصانع الأكبر مبدع الخليقة ومبديء الطبيعة فإذا انتقلت به الحال إلى يد الإنسان خبث وفسد بئس لعمري الإنسان زرّاع الفساد أما تراه يحمل الأمم على مكروهها ويطعم الشعوب جنا أرض غير أرضها ويُحمل الأشجار غير ثمارها وهو الذي يرهج الرياح ويخبثها ويهدم كل قائم ويشوه كل جميل ويذلل أخاه الإنسان كما تذلل الفرس الجموح حتى تصبح طوع العنان كأنما الإنسان شجرة في بعض رياضه يغرسها حيث يشاء:

وكما أن الماء قوام النبت كذلك التربية قوام الإنسان فلو أن الناس خلقوا طوالاً أشداء وهم مع ذلك يجهلون المنفعة من ذلك لما اغني عنهم طولهم وقوتهم شيئاً ولكان وفاء الطول وشدة الأسر أضرّ بهم لامتناع التعاون وانقطاع التناصر إذ كانوا بطريق ذلك جاهلين ولهلك الناس من الحاجة قبل أن يحيطوا بحاجاتهم خُبراً. ولقد رأيت الناس يرثون لحال الطفل ويتوجعون لحظة وما دروا أن النوع البشري كان يهلك لو أن الإنسان لم يكن في بادئ أمره وأول حياته طفلاً!

خلقنا الله ضعفاء فنحن محتاجون إلى القوة وخلقنا معدمين فنحن مفتقرون إلى المعونة وخلقنا بطاء الحسّ مغلقي الأذهان فنحن محتاجون إلى ما يرهف أذهاننا ويضرم شعلة الذكاء فينا. وهذه أصلحك الله حاجة لا يسدها شيءٌ غير التربية.

والتربية على ثلاثة أقسام: التربية المكتسبة من الطبيعة والتربية المكتسبة من الناس والتربية المكتسبة من الأشياء: فأما نماء قوى المرء العقلية والجسمية فهذه هي التربية