للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الحرب]

الإنسان أعرف بالحرب من أن يعرّفها، وأخبر باهو إلهاً من أن يبغض فيها، وهو لا يخوض غمراتها ويقتحم حوماتها لاستثمار العاطفة غير مختار العقل والحرب عريقة في الطبع عراقة الحياة. فأنها شبت من يوم تعدد الطالبون لمطلوب غير محدد، واختلف غرضان في سبيل واحدة. بل إنها لأقدم من ذلك. فأنها نشأت بين ضواري الغبراء، وكواسر، الهواء وسوابح الماء، وشجرت بين الوحش والإنسان زمانا قبل أن تشجر بين الإنسان والإنسان، بل لقد وجدت حيث لا يوجد حس ولا حياة، وظهرت بين النبات كما ظهرت بين الأحياء.

وهي مع قدمها وكونها غير شاذة عن الطبع ولا غريبة عنه، لا يزال الناس يختلفون في لزومها وعدم لزومها ويجادلون في نفعها أو ضررها وهل هي مشروعة سائغة أو أنها محض قوة غاشمة ظالمة.

وترى أنصارها يعتمدون على أنها مظهر من مظاهر تنازع البقاء وأن النوع البشري كالشجر يحتاج إلى التشذيب آناً بعد آن وإلا نما عدده وملأت شعاب الأرض شعبه، وأنها فوق ذلك مرتزق الألوف من الجنود والصناع وتجار المعادن والمناجم. وأنها تهز أريحية النفس وتشب فيها النخوة وفضيلة المفاداة بالحياة. ثم يقولون أنها قوام روح العصبية في الأمة ومساك النعرة القومية، وأن مجد كل أمة إنما هو في ذكرى حروبها وتاريخ غاراتها، ولولا ذكرى هذا المجد لخملت روح الأمم وأنبتت الوشائج بين ماضيها وحاضرها.

ولعل هذا القول الأخير أقوى ما يعتمدون عليه وأشبه بالصدق والصواب. فإن الصبية في الأمة لازمة لزوم الشخصية للفرد. والأمة لا عصبية لها صغيرة في عيني نفسها. ذليلة بين جاراتها. سريعة الاستكانة إلى الحكم الأجنبي. ومتى كانت الأمة منحلة العصبية فأحرى أن لا تكون لها تجارة خاصة بها. أو صناعة تنتمي إليها. أو يكون لها تاريخ تعتز به. وكرامة تغار عليها. وفقد العصبية في الأمة إنما هو إحساس منها بالضعف والجور واعتراف منها بالتخلف عن سواها في فضائل الجنسية والقومية. ولا ينتاب هذا الضعف إلا أمماً توالى عليها الحكم الأجنبي. وألفت أن لا تري من أبنائها حاكماً تكبره أو عظيماً تلتف حوله. فيصبح كل ما هو من جنسها صغيراً لديها وكل ما هو غريب عنها موقراً مرغوباً فيه.

وقد استعان زعماء السياسة وأئمة النهضات الاجتماعية بهذه الفضيلة على نشر دعوتهم