للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[ابن الرومي]

(تابع الكلام على حياته)

ومن قوله أيضاً:

يا ابن حرب كسوتني طيلساناً ... يزرع الرفو فيه وهو سباخ

عد ملياً قد ناطح الدهر حتى ... كل أركانه بهن انفاخ

مات نساجه ومات بنوهم ... وبدا الشيب في بنيهم وشاخوا

طيلسان إذا تداعت خروق ... بين أتنائه لهن صراخ

سرني صوته وقلت لصحبي ... لم يصوت إلا وفيه طباخ

تستمر الصدوع طولاً وعرضاً ... فيه حتى كأنهن رخاخ

ومنه أيضاً يستهدي كساء:

يا من عكفنا عليه لاذين به ... فما عكفنا على بدر ولا وثن

أعاذك الله من حال تماطلني ... لضيقها بكساء تافه الثمن

أنظر إلى هذه الدنيا وزينتها ... تر المكارم فيها زينة الزين

فاكس ابن شكرك ما يبلى على ثقة ... أن سوف يكسوك ما يبقى على الزمن

فهذا وما سبق من مثله خليق أن يريك مبلغ فاقته ورقة حاله وخصاصته، وإذا ذكرت أنه ربما لزم كسر بيته أياماً لا يخرج فيها ولا يتصرف، وحوله صبية غرائي قد أخذتهم أموة الجوع، يشربون على ريقه النفس وما غلوا شرابهم بشيء وهو يخشى أن يبرح بيته مخافة أن يفجأه مالا يطيق احتماله. والناس لا يرحمون ضعفه ولا يرفقون به. ولا يكفون عن التضاحك منه والعبث به. فمن هازل يتداعب به ويعيبه بمشيته. ومن لئيم يزعم أنه عنين ويرميه بأنه مخنث. ومن حاسد يعيب شعره ليهيجه وهو ينفشه عليه. وإنه ربما رق له جيرانه وحنوا عليه فبعثوا له بشبعة من طعام وشربة من ماء. وإنه كان يمدح أهل الثراء فلا يفيد سوى الرد. ويستصرخ بذوي الغنى واليسار فلا يغنون عنه قلامة ظفر. إذا ذكرت ذلك لم تستغرب قولنا في مفتح هذا الفصل إننا لا نعرف رجلاً أصابه ما أصابه ولا عظيماً تهاون به الناس حياً وميتاً ألا هو. على أنه لو لم يكن عظيماً وكان من أجلاف عصره وهمجهم لعجبنا كيف يجوع ويظمأ. ولاستغربنا كيف يخلو عصر من أهل المروءة