للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الكبراء]

إن المتوحش الهمجي السفاك ينحني أمام معبودات من الخشب والصخور والأحجار ولكن الإنسان المتحضر العصري يسجد لمعبودات من الدم واللحم إذ كان بين عاديي الناس وأوساطهم وبين أغنيائهم وكبرائهم ضرب من العبودية المنظمة عبودية ملونة بخليط من أصباغ العظمة المظهرية التي لا تعتمد في هيبتها وجلالها الأعلى العمي اللوني المتفشي في الطبقات الصغيرة من الجمعيات البشرية وليست هذه العظمة المظهرية إلا قوالب مجوفة من الضؤولة نفختها أنفاس المال أو أبهة المنصب أو حقوق الدم والناس جميعاً إلا أقلهم يرون من المال والمنصب أكبر مقياس للقوة وفي الظافر بالطائل منهما أكبر قوى فهم يقدسون هذه القوة القياسية لأنهم يشعرون من نحوها بالضعف كما يكون من المريض برئتيه أن يحسب السعداء هم الصحاح الرئات السليمة اللهى ومن ثم فمركبة الكبير بالقياس إلى قدمي الفقير هي قطعة من القوة ولذلك فهي قطعة من الاحترام.

وعلى هذا فقد أصبح للكبراء من وراء هذه العبودية المنظمة مجموعة من الآداب خاصة بهم هي آداب السادة وغيرها آداب العبيد فالكبر مثلاً من آداب الكبراء السائدين فإن فكر الرجل العادي أن يتأدب به عد عند العاديين هارباً خارجاً واعتبر عبد السادة متهجماً متوقحاً فالزهو والكبر والصلف والبذخ من آداب السائدين والقناعة والتواضع والخنوع والحياء من آداب المسودين.

عاش لابروبير وكان من عامة الشعب في ظل الكبراء وجناب النبلاء واختلط بالسادة والمتمولين ثم جعل يشرح نفسياتهم تشريحاً دقيقاً ويحلل آدابهم تحليلاً بديعاً وكان لابرويير من أبدع كتاب العصر وأحرهم لهجة وأسلوباً كان مرير التهكم قاسي الوصف جريء اللب وكان في بلاغته أبلغ من روسو وأسحر.

والآن فاسمع ما يقوله في وصف أخلاق الكبراء: أيها الكبراء! إني أترك لكم مآكلكم ومناعمكم وفرشكم وكلابكم وأفراسكم وقردتكم ومجانكم وملاقكم ومداحكم ولا أحسدكم على شيء إلا أن في حاشيتكم خدماً يساوونكم قلوباً ويضارعونكم أرواحاً بل قد يفوقونكم أنفساً ويفضلونكم شعوراً ووجداناً

أنكم تزهون علينا بأنكم تستطيعون أن تقطعوا في جوف الأكمة الكثيفة المختنقة طريقاً معبداً أو تشيدوا فوق بطحاء الأرض عالي الجدران وشامخ الأبنية أو تذهبوا سقوفاً