وأما أنا فيوم أرى الكواكب في السموات العلى تنحرف عن سبيلها المسنونة ومنازلها المقررة وأشهد في حقول الأثير النجم يهجم على النجم والكوكب ينطك الكوكب وأسمع الأرض تتنهد منشقة الجوف وتتأوه وأرى كرتها مائدة هائمة تضطرب عن كثب من السموات وتمور تبكي إنسانها الفاني وابنها الدفين مترامية في أحضان الأبدية فانية وأدور حولي فأجدني الشاهد الوحيد والحاضر الفرد يحف بي الموت وتحوطني الظلمات عند ذاك سأنهض واثباً لا خوف ولا رعب أفكر فيك يا نصف الحياة وأحلم موقنا برجعة فجر الأبد وعود عالم الخلد أرقب لقائك وأرجو زورتك.
أتذكرين الرحلة الهانئة والسفرة الراغدة يوم نشأ حبنا الخالد وبدأ غرامنا المقيم حينا فوق ذوائب الصخور القديمة الوحيدة وحينا على ضفاف البحيرة الساكنة الحزينة على جناح النعيم بنجوة من هذا العالم يوم خضنا معاً متصاعد الظلال ومنتشر الأفياء نهبط الربى وننزل الجبال نصغي إلى غناء النجوم وصدحها موسيقى حلوة لا صخب فيها ولا ضوضاء كنت تقولين الله محجوب وهذه الطبيعة معبده هذه الدنيا صورة كماله وماويته إن النهار نظرته وهذا الجمال ابتسامته أيها الأبدي اللانهائي القدير الجليل إن القلب في كل مكان يعبدك إن الروح تهفو مشوقة إليك إنها تريد أن تطفر نحوك وتثب تشعر أن الحب ختام حياتها فهي تحترق إلى معرفتك شوقاً وتلتهب
كذلك كنت تقولين وبهذه النفثات كنت تناجين وكان قلبانا يجمعان تنهداتنا ويمزجان أناتنا وزفراتنا يبعثان بها صوب ذلك الكائن العظيم الذي يدل عليه هوانا ويشهد به غرامنا يحمل إليه الليل تخشعاتنا وضراعاتنا ويرفع إليه الفجر تذللاتنا وابتهالاتنا والعين سكرى تتلدد بين الأرض منفانا والسماء مسكنه.
أواه. . . أللعدم خلقت أرواحنا أللفناء كانت حياتنا أيجري على الروح في ظلمة القبر حظ البدن أياتهمها جوف اللحد كما يلتهم اللحم ويدق العظم أتعود مثلها تراباً وتستحيل هباء أتراها تطير وتحلق أم تراها تتبدد كأجزاء الصوت المتردد.
بعد حسرة ضائعة وزفرة راجعة وتوديعة لمن أحبك باكية أيغني المحب ويبيد المغرم أواه. . إن أمام هذا السر العظيم لإنجاحك أيها العقل ولكن نسألك أيتها الغريزة أي ألفير إن محبك يسوق بنفسه فهل من رد. . هل من جواب!.