للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تاريخ العلم في أوروبا]

لم تقتصر الحروب الصليبية على جلب طائل الأموال إلى روما، تلك الأموال التي كانت تدفعها كل أمة مسيحية من خوف أو من تقي. بل كانت تزيد في سلطة البابا ونفوذه إلى حد كان شديد الخطر. وقد تغلبت السلطة الروحانية على أختها السياسية في كل مملكة من ممالك الغرب. وانزوت السلطة السياسية وأصبحت خادمة للأولى. وكان يفيض على روما من كل فج ومكان جداول من الذهب. وينابيع من المال. ومن ثم وجد الملوك والأمراء السياسيون إنهم لم يبق لهم من خير ممالكهم إلا الدخل النزر الطفيف. فرأى فيليب الجميل ملك فرنسا في عام ١٣٠٠ من مولد السيد المسيح أن يمنع خروج هذه الأموال الطائلة من مملكته. وذلك بتحريم تصدير الذهب والفضة من البلاد الفرنسية دون ترخيص منه. ولم يقف اعتزامه عند ذلك بل أجمع على أن يجعل طبقة الكهنوت تدفع إليه الأتاوات والضرائب. فقام من جراء ذلك بينه وبين البابا حرب طاحنة. إذ حكم عليه البابا بالطرد من الكنيسية ولكي يكيل الملك له بكيله اتهم البابا بونيفاس الثامن بالالحاد، وطلب أن يتألف لمحاكمته مجلس عام، وأنفذ عصبة من رجاله الأوفياء إلى إيطاليا، فقبضوا على البابا وهو في قصره بأنا جني، وعسفوه عسفاً شديداً عجل بموته، وخلفه على كرسيه بنديكت الحادي عشر فلم يمض عليه إلا الزمن اليسير حتى مات مسموماً.

وعزم الملك فيليب علي أن يتقي الباباوية ويصلح فاسدها حتى لا تصبح بعد ذلك نهباً مقسماً بين بعض الأسرات الطليانية التي كانت في ذلك الحين تصوغ من دين أوروبا وتخرج من عقيدتها ذهباً وهاجاً، وأجمع أمره على أن يكون لفرنسا في هذه السلطة نصيب، ومن ثم صلحت ذات البيت بينه وبين كرادلة الباباوية، وارتقى أسقف من الفرنسيين إلى منصب رئيس الكهنة وغاب عليه اسم كليمنت الخامس، ونقل بلاط البابا من روما إلى أفينيو في فرنسا، ولم تعد روما حاضرة المسيحية.

ومضى بعد ذلك سبعون عاماً قبل أن تعود الباباوية إلى روما المدينة الأبدية، وكان ذلك في سنة ١٣٧٦، وأن تقلص سلطاتها في إيطاليا أفسح المجال لنهضة فكرية مشهودة، ظهرت معالمها في مدن شمال إيطاليا التجارية وحدث في ذلك العهد أحداث أعانت على تقدم هذه النهضة. فإن خاتمة الحروب الصليبية قد أضعفت الإيمان بالمسيحية والركون إليها. إذ كان نتاجها التخلي عن الأرض المقدسة. أي أورشليم وأرباضها وتركها في أيدي العرب. ولقد