للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[سر تطور الأمم]

مبحث ضاف جليل في نقد نظريات كتاب سر تطور الأمم

للكاتب الحكيم عباس محمود العقاد

كتاب من الكتب القيمة وضعه عالم فرنسي جليل، وعربه وزير مصري عامل. والكتاب على صغر حجمه وإيجاز أبوابه من الأسفار التي قل أن يلج مثلها إلى عقول المصريين من جانب اللغة العربية. وأيسر ما يقال فيه أنه سيعوّد القراء أسلوب البحث الجديد فلا يركنون إلى تلك المباحث التي مدارها على التلفيق، وهي براء من المعنى براءتها من صدق النظر والتحقيق. فما أكثر الكتاب الذين كانوا ينظرون عندنا إلى أعضل مسائل الاجتماع وأغلق أبواب المستقبل بعين تتخيل الأفكار كما يتخيل الناظر الواهم صور الجمال والثعابين والحيتان في قطع السحاب المذعذعة في السماء. وحسب الواحد منهم أم تتم في ذهنه صورة ملفقة على هذا النمط فيبرزها للناس قضية مسلمة، ويبني عليها النتائج البعيدة والنظريات الخطيرة.

أفرد المؤلف أكثر فصول الكتاب لتجلية الفكرة التي يحوم حولها في أكثر كتاباته. وهي أن لكل أمة روحاً تسير أعمالها، وهذه الروح هي التي تكيف أطوار الأمة وتشكل ملامحها الطاهرة. وإليها يرتد سبب كل حركة من حركاتها. وقد غالى في وصف ما لهذه الروح من الأثر في كافة أحوالها، إلى حد يوهم أنه ينكر ما للعوارض الطارئة من الأثر الثابت في حياة الأمة، والحقيقة أن لهذه العوارض شأناً في تاريخ الأمم لا يحسن إغفاله ولا سيما من وجهة النظر السياسي، كما أن الربان الحاذق لا يجلس مجلسه من السفينة إلا ليرقب ما يهب عليها من الأعاصير، ويثب إليها من الأمواج، ولا يغنيه علمه بأدوات سفينته وفجاج البحر الذي يسلكه عن الدربة على قيادة في تلك الأهوال، وإلا فإن ثورة واحدة من تلك الثورات قد تهوي بالسفينة إلى القرار. وما العوارض الطارئة إلا الخيوط التي ينسج منها روح الأمة، ويتكون من مجموعها سلسلة اختباراتها وذكرياتها الماضية، وهي لا تجعل في الأمة شخصاً غير شخصها، ولكنها تغير بنية ذلك الشخص، فليس لروح الأمة دخل في تاريخها إلا بقدر ما للإرادة في تاريخ الفرد، وكثيراً ما تكون الإرادة منفعلة بما يطرأ عليها ولا تكون هي الفعالة إلا إذا جاءت الحوادث بما يوافقها. وقد بالغ المؤلف في تقدير طول