الزمن الذي يرسخ فيه المبدأ فيصير عقيدة موروثة وجزءاً من أجزاء تلك الروح، وهي مبالغة غير محمودة لأنها توقف المصلحين موقف الحذر الشديد عند كل حركة جديدة، وتصغر من قيمة الفرص الوقتية في حسابهم ولا سيما إذا كان لا سبيل إلى تشخيص روح الأمة ومزاجها تشخيصاً يقطع الشك باليقين. ذلك ما هو واضح من غموض الفكرة نفسها في الكتاب فإن المؤلف لم يستطع إلا أن يلم بها إلماماً غير محيط بها ولا ضابط لدقائقها.
حتى أن القارئ ليخرج من الكتاب وهو لا يدري حد الفارق بين روح الأمة الإنكليزية والأمة الفرنسوية. هذا على أنه يكاد يكون موضوع الكتاب الذي جاهد المؤلف غاية الجهد لتبنيه وتفصيله، ولا ريب أن مثل هذه الفوارق التي لم يلمسها المؤلف إلا بيد الحس لا يصح أن تكون أساساً للأحكام العريضة التي سجلها على أكبر مبادئ العصر بل على الدين الجديد في عرفه. فإذا كان الغرض من تقدير تلك الفكرة المبهمة الإشارة إلى اختلاف الأمم في الأمزجة فذلك مالا نزاع فيه أما إن كان يرمي به إلا أبعد من ذلك فالحق يقال أن قدمي هذه الفكرة لا تحملانها إلى أبعد من تلك الغاية. إذ ليس في الكتاب ما يبين بياناً جازماً أن الحادث الذي يقع في هذه الأمة لن يقع مثله في أمة أخرى، وليس فيه حجة دامغة تنفي القضايا التي قررها علم مقابلة التواريخ وأيد بها قولهم أن للأمم أطواراً تمر بها كل أمة حية، وأنه إن اختلفت الأزمان بعداً وقرباً فذلك لاختلاف المناسبات والطوارئ ولشيء قليل من تباين الأمزجة، ولكن هذا التباين لا يمنع أمة من أن تعتنق كل رأي في حينها المقدور لها، وإن كانت ربما دعته بغير ما يدعي به في الأمم الأخرى، تبعاً لاختلاف اللغات، وتفاوت الأحوال والعادات.
فليس في مجلس انكلترا مثلاً حزب اشتراكي كحزب فرنسة الاشتراكي ولكن فيها حزباً للعمال. وكلا الحزبين غايته واحدة ومطالبه متشابهة. وهي أنصاف طبقات العمال من أصحاب الأموال. والدكتور لوبون يقول مع ذلك أن الاشتراكية شاعت في فرنسه لأن مزاج أهلها يميل بهم إلى الاعتماد على الحكومة ولم تشع في انكلتره لأن الإنكليز أهل استقلال لا يعولون إلا على أنفسهم - دع ذلك وانظر صوب ألمانية فإنك ملاق فيها شعباً اشتراكياً صريحاً وحزباً يمثل الاشتراكية في مجلسها هو أقوى الأحزاب وأوسعها نفوذاً والألمانيون كما تعلم شعب سكسوني قريبٌ مزاجه من مزاج الأمة الإنكليزية فما باله في