للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[محاورة]

بين فقيه متدين وفيلسوف ملحد

للفيلسوف الألماني الأكبر آرثر شوبنهور

تابع لما نشر في العدد الثالث من هذه السنة

الفقيه - إذا كانت نتيجة تعاليم المسيحية لم تجيء متفقة مع هذه الملة الغراء في الطهر والنقاء فلعل السبب في ذلك أرجع إلى أن شرف المسيحية وقداستها هي أعلى وأرفع من أن ترتقي إليها الإنسانية مع ما قد ركب فيها من غرائز السفال وما جبلت عليه من نحائز اللؤم والضعة - وإن أغراضها أسمى من أن تنالها همة البشر الضعيفة الواهنة الكليلة الوانية مع ما يقعد بها من دواعي السقوط والضعة والإسفاف. ولا مراء عندي في أنه أهون على بني البشر وأيسر أن يتبعوا شريعة الوثنية أو اليهودية. ولا مشاحة في أن أسمى ما في المسيحية وأسناه. وأشرفه وأعلاه. هو أقربه أن يجعل ذريعة إلى الشرور والإضرار. أفلا ترى كيف عمد ذوو المآرب والغايات إلى أقدس عقائد المسيحية فاتخذوه سلّماً إلى إتيان أشنع المآثم. واقترف أفظع الجنايات والجرائم. ونحن قد أسلفنا أن انقراض النظامات الأوروبية القديمة واضمحلال الفنون والعلوم اليونانية والرومانية معزوّ إلى غزوات الشعوب البربرية أثناء القرون الوسطى. فلا غزو للحالة هذه إذا رأينا الجهالة والهمجية قد تسيطرت وتسلطت ونهضت دولة العنف والاعتساف. وقام سلطان البغي والإجحاف. وأصبحت فئة الإشراف وطائفة القسوس على كاهل الإنسانية كلاّ. وعلى عاتق الجماعات عالة وحملا. وبعض السبب في هذا راجع إلى أن المسيحية جعلت تحث على ترك المصالح الدنيوية والأخذ بالمصالح الدينية وتعلم الناس أن اتقاء السريرة وسلامة الطوية مفضلة على العلوم العقلية والمعارف الذهنية، وتحض على إطراح اللذات والملاهي التي هي في الحقيقة ثمرات العلوم ونتائج الصناعات والفنون. على أن المسيحية لم تحث على ترك العلوم والفنون فيما يعود على الدين بالفائدة بترويح شرائعه ونشر مبادئه وتعاليمه وعلى ذلك فقد استبقى للفنون والعلوم رواجها وانتشارها في هذه الناحية وهذا المجال.

الفيلسوف - مجال لعمر أبيك ضنك ضيّق - لقد صادف رجال الدين في العلم رفيقاً متهماً