للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مسكينة مسكينة]

قال الشيخ علي: واسمع الآن يا بني ما أقص عليك فإني محدثك بخبر ليتني إذ علمته ما وعيته وليتني إذ هذا الفصل الروائي البديع هو أحد فصول كتاب المساكين للأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي - آثر البيان بنشره فرحب به البيان - والكلام كما ترى موضوع على لسان الشيخ على بطل هذا الكتاب، والشيخ على المذكور - كما شرحنا ذلك في آخر عدد من البيان الشهري - رجل مجذوب سعيد بالدنيا والدنيا سعيدة به - وهذا الفصل قائم بنفسه لا علاقة له بما قبله ولا بما بعده. والكتاب سيظهر قريباً وهو يطلب من إدارة البيان وعيته ما أثبته ولا نفذت فيه كما نفذ في.

ولكن الحياة كما تقضي علينا أن نشهد أموات الأحياء ونحملهم إلى أبواب الآخرة من تلك الحفر، تقضي علينا كذلك أن نشهد أحياء الأموات من أهل الرذائل وتحمل من أخبار ضمائرهم الميتة إلى أبواب السماء في أنفسنا.

فواها لك أيتها الحياة الدنيا تقتلين بالشر وتجرحين بأخباره ولا تؤتين عسل الحكمة إلا بعد لسع كثير. . .!

وقد علمنا أن كل شيء يسير فإنما هو يذهب في طريق يهتدي أو بعنف وكأن الأسف على أهل الشر لم يجد له طريقاً في هذه الحياة إلا من ضمائر أهل الخير.

كانت لنا يا بني في هذه القرية النضرة فتاة بائسة ضاق بها العريض من هذا البر فخرجت إلى بعض المدن تستطعم الحياة. فحدثتني أنها استضاقت حتى كأنما كانت تنفذ إلى رزقها من شق في صخرة في غر في جبل. ثم استضاقت فكأنما ولجت هذا الغار فانحدرت تلك الصخرة فسدت عليها عليها فلا وراء ولا أمام وأعجزها حتى المعاش الملفق.

وخرجت يوماً على الناس وكأنها لقذارتها قطعة من الحياة البالية مدرجة في بعض الأطمار، أو روح من الهواء تمشي ساكنة في أردية من الغبار، وما تحصي العين تلك البقع المنتشرة في ثيابها، كأنها أرقام للفقر يعد بها ليالي عذابها، وهي علم الله بقع، أشأم منها أنها في رقع، وقد أغبر شعرها الفاحم وتلبد، فكأنه بعض ما وقع على رأسها من حظها الأسود، ولاح من تحته وجه كالدينار الزائف في صفرته ورده، وكالقمر المحقوق في استطالته تحت الظلام ومده، وهي فتاة عليلة قد أخذ السقام من حجمها، كما أطفأت الأقدار من نجمها، وخفي من المرض في صدرها، أكثر مما خفي بين الناس من قدرها، وما تعرف من أسماء