للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الحرية]

هذا هو الفصل الثاني من الباب الثاني وعنوانه العدل الاجتماعي من كتاب (العدل والحرية) للستاذ جوبلوت الذي أتحف به البيان الدكتور عبده البرقوقي - وعنوان هذا الفصل (الحرية) وهو مبحث جليل مفيد ضمّنه الأستاذ أحدث الآراء العلمية في الحرية:

العدل وحده غر كاف لبلوغ الخير والرفاهية. إن هو إلا كالإناء الفارغ لك أن تملأه بالطيب وبالخبيث. أو تكيل به الشر والخير. أجل لا إحسان من غير عدل ولكن قد يعدل في الشر فما العدل إلا تقسيم الأنصبة بدون جور ولا إجحاف.

البلاء إذا عم صار عدلاً ولكنه لا يزال خبيثاً، والجدب شقاء ولو تساوى جميع الناس في مقاساة آلامه واحتمال مضضه، وإذا ألقي في النهر نصف غذاء مائة رجل وقسم النصف الباقي عليهم وروعيت شهوة كل منهم إلى الطعام عد هذا العمل عنتاً وجنوناً ولكنه لا يعد من الجور والظلم. أجل، لهم أن يضجعوا من الألم ويستغيثوا من الجوع ولكن ليس لهم أن يشكوا الظلم حيث لم يميز بعضهم عن بعض بل كلهم في الآلام سواءن لم ينل كل منهم إلا نصف غذائه. وإذا روعي في الضرائب الفادحة درجة كل إنسان من الفقر والغنى تصبح عادلة ولكنها تظل آخذة بالرقاب محرجة للصدور. ونحن مهما أسهبنا في ذكر منافع العمل وبالغنا في تعداد فوائده من أنه يشرف الإنسان ويعلي من شأنه ويؤتيه بالخير الجزيل إلا أن العمل المكره عليه ولو كان ضرورياً عناء وبلاء حتى ولو كنا عائشين في المجتمع الذي يحلم به الإشتراكيون حيث كل إنسان يعمل حسب قدرته فلا يوجد فيها فريق ينصب ويشقى وفريق يرفه وينعم. ولقد انحسم الظلم في التجنيد لخدمة الجيش إذ جعلوها الآن إجبارية لا يفلت منها إنسان على أنها ما برحت إحدى المصائب البالغة التي رزئت بها الأمم والأفراد ولو أمن الناس هول الحروب وعاشوا متآخين متحابين لربحت الإنسانية تلك القوى العظيمة التي تستنفذها خدمة الجيوش الدائمة.

وخلاصة ما تقدم أنه لو كانت الآداب مقصورة على العدل لما ساغ لنا أن نرفع أصواتنا بالشكوى من التكاليف التي تنوء بها كالخدمة العسكرية والضرائب المالية إذا روعي العدل في توزيعها. ومما لا شك فيه أنا لا نكتفي بالسعي لتقسيم ما بين أيدينا من السعادة والرخاء وتوزيع الفروض والأعمال حسب ما يقتضيه العدل بل نسعى جهدنا للإكثار من دواعي تلك السعادة وتخفيف الويلات والآلام.