للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مطالعات]

شعر الفلاسفة

من المعروف أن العلماء ومن إليهم من الفلاسفة وجماعة النظار الذين ألفوا البحث المنطقي وألفهم حتى ملك عليهم أمورهم لا يستطيعون أن يقولوا شعراً جيداً يبارون فيه سادة الشعر، لأن العلماء إنما يستمدون من عقولهم ومعلوماتهم التقريرية، أما عواطفهم فقد أطفأ العلم جذوتها فترى لذلك شعرهم فاتراً لا يهز العاطفة ولا يحرك الأرواح، أما الشعراء فإنما يناجونك بوجداناتهم وإحساساتهم ويفرغون قلوبهم في كلامهم إفراغاً، فهم لذلك يزلزلون القلوب زلزالاً ويعبثون بالعواطف عبثاً شديداً لا قبل للإنسان بالجمود إزاءه ما دام لا إنسان بلا قلب وسلطان القلوب والأهواء، فوق سلطان العقول والآراء، بيد أنه على الرغم من ذلك ترى لبعض كبار الفلاسفة شيئاً من الشعر البارع الجيد لا يكاد بتخلف في معنى الشعر عن شعر الفحول فضلاً عن أنه يمتاز بالمعاني الفلسفية الرائعة، فمن أولئك الفلاسفة الذين ضربوا بسهم صائب في الشعر أبو علي الحسين بن عبد الله بن يوسف المعروف بابن شبل البغدادي المتوفى سنة ٤٧٤ فقد كان هذا ابن شبل كما قال صاحب طبقات الأطباء حكيماً فيلسوفاً ومتكلماً فاضلاً وأديباً بارعاً وشاعراً مجيداً، ونحن نختار له هنا شيئاً من شعره - فمن ذلك قصيدته الفلسفية المشهورة التي تستأهل أن نأتي عليها كلها في البيان - قال:

بربك أيها الفلك المدار ... أقصد ذا المسير أم اضطرار

مدارك قل لنا في أي شيء ... ففي أفهامنا منك انبهار

وفيك نرى الفضاء وهل فضاء ... سوى هذا الفضاء به تدار

وعندك ترفع الأرواح أم هل ... مع الأجساد يدركها البوار

وموج ذا المجرة أم فرند ... على لجج الدروع له أوار

وفيك الشمس رافعة شعاعاً ... بأجنحة قوادمها قصار

وطوق في النجوم من الليالي ... هلالك أم يد فيها سوار

وشهب ذا الخواطف أم ذبال ... عليها المرخ تقدح والعفار

وترصيع نجومك أم حباب ... تؤلف بينه اللجج الغزار

تمد رموقها ليلاً وتطوى ... نهاراً مثل ما طوى الإزار