للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[شذرات عن الحرب]

عشيقة بسمارك

رجل الدم والحديد يعشق

لا نريد أن نكتب عن بسمارك، رجل الدم والحديد - كما يسمونه - كرجل سياسي، عظيم الدهاء، مدهش التدبير، ولا كحكومي قوى السلطان، جبار العقل، بل جئنا لنكتب عنه من ناحية الجزء الروحاني فيه، من الناحية الإنسانية الحساسة التي تهزأ أبداً بحجج العقل، وتسخر من خشونة التفكير، ولا تستمع لقسوة العمل، هي عاطفة الحب - جئنا لنكتب عن بسمارك، ذلك الرجل الحديدي القاسي العملي كعاشق ذاقت روحه الخشنة لذة الحب، وليس في هذا شيء من العجب، فإن عاطفة الحب ليست إلا عاطفة روحانية عامة، لا حد لها ولا وسط ولا بيئة ولا صنف، هي تشمل الزنوج المتوحشين، كما تعم المتحضرين المتهذبين، وتنزل في القلب القاسي المغلق الأصم، كما تقع في الفؤاد المتفتح.

وأول حادثة وقعت له في حب النساء كانت وهو في السادسة والعشرين، جندياً حار القلب، مضطرم الوجدان، وكان قد خرج إلى ميترباد، بلدة صغيرة في النمسا من بلدان الحمامات المعدنية المشهورة، ولعله كان في هذه السن مغرماً بالنساء، ميالاً إلى مغازلة الحسان، جناحاً إلى التقرب إلى ظبائهن، فلما نزل ميترباد، جعل يمشي متنزهاً في طرقاتها ودروبها ومتنزهاتها، يتبع الجميلات ببصره، ويملي على العين من وجوه المليحات حتى إذا كان ذات يوم، والعام ١٨٤١، وأنه ليخطر في إحدى طرق المدينة، إذ وقعت عيناه على فتاة رشيقة ذهبية الشعر أثيلة الخد ناعمة الوجنة، حلوة الوجه مبتسمته فما كادت تقع عليها عينه حتى وقع معها قلبه، ومنذ تلك الساعة وهو مهتاج النفس، مضطرب القلب، حتى تبعها يوماً، وعرف مقرها، ثم تعرف بعد إليها.

وكانت الفتاة التي أسرت فؤاده تسمى جوزيفاً ابنة صاحب حمامات بلدة ميتر باد كلها، وغني من أوائل أغنياء مقاطعة التيرول بأسرها، وقد سره وقع موقع الغبطة منه أن اهتدى إلى أن الفتاة لم تكن تغضب من تقربه إليها، ولم تكن تشعر إلا بالإعجاب بمشرق وجهه الجميل ونجوي عينه العاشقة، فتشجع وجعل يلتقي بها كل يوم في ساعات معينة محدودة وقد بدأت الفتاة تلتهب حباً للفتى الغريب وبه إعجاباً.