للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التصوير في الإسلام]

لعل تاريخ فن التصوير في الإسلام موضوع من أحدث الموضوعات وأروحها للقراء إلا أنه وعر شاق يبهظ من يتصدى للكتابة فيه لقلة مصادره وضياع أخباره وتجنب بعض قدماء المؤرخين والكتاب البحث فيه لعد بعضهم إياه مكروهاً أو على الأقل غير مستحب للاختلاف في تحليله وتحريمه، ومن هنا وهم كثير الباحثين في المدنية الإسلامية حتى العصر السابق فصاروا يعجبون من أن الحضارة بلغت عند المسلمين شأواً بعيداً على حين أنهم لم يهتموا بالتصوير ولم يكن لهم هوى فيه كما لأهل أوروبا الآن فيحكم أولئك الباحثون ضرورة أنهم لم يستقصوا ضروب المدنية الإسلامية بأن هذا الفن (أي التصوير) كان من الفنون المهملة في الإسلام للسبب المتقدم، مع أن الإسلام لم يحرم التصوير المعروف الآن كالتصوير بالزيت والأصباغ والصور المنقوشة على الورق وتصوير الكتب وكل الصور التي ليس لها ظل، وإنما حظر الإسلام صنع التماثيل ورسم الأشخاص مجسَّمة على الأحجار وغيرها خشية أن يرجع العرب إلى الوثنية وعبادة الأصنام التي قضى عليها الإسلام، فهذا الخطر كان لحكمة سامية في ذلك الوقت، أما التصوير والرسم الذي يمثل الأجسام إلى حد ما هو مباح فلا حظر فيه ولا وزر على فاعله وسنبين ذلك بعد.

فترى مما تقدم صعوبة هذا البحث ووعورته، بيد أن العلماء في هذا العصر غيروا نظرهم ورجعوا عن ما كان شائعاً في العصر الماضي من القول بأن المسلمين لم يحفلوا بفن التصوير بتة وتبين لهم المخطوطات وتفقد الآثار أنهم عنوا به بعض الشيء.

إلا أننا إذا تعمقنا في البحث ودققنا النظر فيما كتب العرب ووقفنا على كل أقوال فطاحل مؤرخيهم المبعثرة في بطون مؤلفاتهم تبين لنا أكثر من ذلك وعلمنا أنهم عنوا به العناية كلها وسنثبت في هذا المقال إجادتهم لهذا الفن وبلوغه عندهم مبلغاً عظيماً من الإتقان وكثرة المصورين منهم وتنافسهم في صنع أنفس الصور واحتفال أمراء الإسلام وعظمائه بها كما هي الحال في أوروبا وأمريكا الآن إلى مثل ذلك من الأبحاث، وسنمهد بلمحة في تاريخ فن التصوير في الإسلام والاستشهاد بما يثبت استعماله في العصور الأولى أي قبل أن نضج عندهم هذا الفن فنقول:

التصوير من الفنون الجميلة التي كانت تعرف عند العرب (بالآداب الرفيعة) وهي ثلاثة: التصوير والشعر والموسيقى، فالتصوير كان معروفاً عند العرب ولم يكونوا يتأثمون في