للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمراض المدنية الحاضرة، وكثير من هذه الأمراض يحمل اسم العوامل التي أحدثتها، وهنا نعود فنقول أن ازدياد المقادير التي تناولها الجيل الحاضر من الشراب والمخدرات لا منشأ له في الحقيقة إلا أن الجيل متعب منهوك القوى خائر الأعصاب، ولذلك راح كثير من أهله يتلمس في الكأس طيف الراحة والخمود والهروب من المتاعب والآلام، ويطلب روح النشاط والانتعاش والمراح، حتى إذا وجدوا أن الشراب لا يزيدهم، إلا تعباً وخوراً واهتياجاً للأعصاب، عمدوا إلى متابعة الشراب والإلحاح على الكأس، وهذا هو السبب الذي يجعل من أهل الشراب مدمنين وسكيرين ومخمورين.

وقد دلت الملاحظات على أن هذا التعب اللاحق بالإنسانية في هذا العصر يعمل على تعجيل المشيب وبكور الشيخوخة فقد كان الشيب لا يأتي قبل الآن إلا إذا ألمَّ الإنسان على الخمسين ولكنك لو درت بعينيك في حلقات أصحابك لرأيت أن من بينهم كثيرين قد وخط الشيب مفارقهم وأفوادهم وهم في الثلاثين ومنهم من شاب وهو قبل هذه السن، وقد قرر كبار أطباء العيون أن الناس كانوا قبل اليوم يبدأون بوضع المناظر في الخمسين فأصبحوا يضعونها اليوم في الخامسة والأربعين، وذكر أطباء الأسنان أن أسنان الناس تسقط في هذا العصر أو تختل قبل السن التي كانت تختل فيه في الجيل الماضي.

والخلاصة أن الإنسانية منتهكة القوى، ضعيفة الأعصاب، مريضة الأذهان وأن هذا المرض المخيف يبعثنا على التمرد على الآداب، والهزوء بما يسمونه أحكام العرف والأخلاق، وأن كلمة أخر زمن هي الطابع الذي نطبعه على كل قطعة من مدينتنا الحاضرة.