للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[جنون الإنسانية]

لم تكن الإنسانية يوماً من الأيام، من أبعد حدود التاريخ إلى عهد هذا الكوكب الأرضي بما يدعونه الحضارة، عاقلة رزينة سليمة الذهن، بل لقد ظل الوحش المفترس الذي درج مع الإنسان الأول في يوم واحد، يجري في عروق هذا الإنسان ويسري في دمه، ولقد ظلت الإنسانية في جنة حتى انتهت إلى هذا الجنون الأكبر الذي يعانيه المجتمع منذ أربعة أعوام أو نحو منها، وقد بدت جنة الإنسان في سلسلة طولى من الحماقات والتطرفات، دوّنها بيده في التاريخ وأبى إلا أن يلبسها ثوباً طلياً مفوفا حتى تبدو للأجيال المنحدرة إلى المستقبل مفاخر وفعالاً جساماً رائعة، وقد وثب في القرون الماضية عدة من العظماء والقواد والمنارات العليا فحاولوا هداية الناس واجتهدوا في أن يكونوا قدوة ومثالاً للإنسانية، ولكن نجاحهم لم يلبث أن ذهب، وعاد الناس بعدهم يتابعون ضروباً متعددة من الحماقات والجنات، والرغبة الأولى التي يلتمسونها في الحياة هي أن يطأ القوي هامة الضعيف ويسبح الجميع في أنهار من الدماء ويمشون في سوح من المجزرة.

وقد دأب الفلاسفة والمفكرون والكتاب منذ القدم على البحث في العلاج الناجع للإنسانية والأشفية المؤكدة، وانطلقوا يلتمسون الحاجة الكبرى لصلاح الناس، والذهاب بعنصر الشر والجريمة في الأرض، فذهب كل منهم مذهباً، وتضاربت الآراء، وتزاحمت النظريات، فلم يسع الإنسانية المريضة إلا أن تضحك من أطبائها وأساتها وتهزأ بهذا التناقض والتعارض على مقربة من سرير العليل، فلم تلبث أن طرحتها جانباً ومضت في سبيلها تجري وراء نزعة نفسانية مجنونة، هي نزعة القتل الاجتماعي، وإبادة الملايين من النفوس لينعم بالحياة ملايين مثلهم.

والآن ما هي الحاجة الكبرى لصلاح الإنسانية، وما هو المطلب الواجب لكي يثير في الإنسان السمو والنزعة إلى الخير، ويطهر القلوب من جنة الأنانية، ويبعثهم على التماسك والفعال النبيلة السامية، وجواب ذلك كلمة واحدة، وحقيقة بسيطة في صميمها، تصرخ أبداً في أذهاننا وتطالعنا في وجوهنا، ولكن الإنسانية لم تستطع الاهتداء إليها في العهود الذاهبة من التاريخ، وهذه الكلمة هي السلامة، ونعني بها سلامة العقل والجسم، وهذه السلامة هي التي توحي إلى الناس أنه ينبغي عليهم أن يطيعوا قوانين الله وشرائعه وإلا كان نصيبهم الدمار والانقراض.