للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفضاء ولذلك نراه في هذا الشكل الظاهري، ولكن الحياة نفسها إذا نحن شهدناها من باطنها، من المركز الذي نشغله نحوها وهو أننا نحن والحياة شيء واحد لا تزال هي الزمن، فالحياة إذن هي تيار متدفع، هي تحول حقيقي وحركة مستمرة مطردة لا انقطاع لها، والكائن الحي هو كائن يبقى متحولاً متغيراً بلا ونى ولا فتور، ولا يظل مطلقاً على حاله.

ومن هذا نستنتج أن هناك صيغتين للزمن، إحداهما هي أن الزمن لا يحدث تأثيراً في جوهر الكائنات وثانيتهما هي أنه الجوهر نفسه وهذا يؤدي بنا إلى سؤال ذي وجهين، وهذا السؤال هو ما هو الجوهر، ومعنى ذلك ما هو الذي يوجد ويبقى بلا تحول، أو ما هو الذي يوجد وهو متغير متحول، والفرق بين هذين هو الفرق بين الكائنات الجامدة والكائنات الحية، فالزمن من ناحية الأولى لا أثر له وهو من ناحية الثانية كل الأثر.

ومن هنا نخرج إلى سؤال آخر وهو - هل الجوهر المختفي وراء كل هذه الظواهر مادة لا تتغير ولا تتحول أم هو كائن حي كل وجوده هو الزمن، والجواب الذي يجب أن تقوله الفلسفة هو أن الزمن هو جوهر تتألف منه الكائنات، ولكن العلم الطبيعي يختص بوجه واحد منه محدود ضيق الدائرة وهو المادة التي لا تتغير ولا تتطور، والعلم الطبيعي لا يدرك الحياة ولا يبحث في أسرارها، ولكن الشاغل الأكبر للفلسفة هو الحياة. . . .

هذا هو أساس فلسفة برجسون وهو كالتمهيد لما سنأخذ في شرحه من فلسفة هذا الفيلسوف مذ العدد القادم.