للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمل ضئيل الهمة فانظر في أسافل هذا الجني وردد لحظاتك في الدود والبق والعقارب التي فوق قدميه فإن هذه أسافل النفس ويكون مثلك مثل من يريد أن يستحم فيرى غديراً صافياً طاهر الماء فيعدل عنه إلى الماء الآجن في المستنقع الموبى لم لا ترفع بصرك إلى أعالي النفس من لحظ كله ذكاء وجبين كله جلال ووجه كله ضياء فلما قال الملك قولته هذه رفعت بصري إليه فرأيته قد خفي عني فرجعت إلى بيتي وفككت عني حبائل اليأس وقلت خاب من نظر في أسافل النفس ورجع بصره خاسئاً عن أعاليها.

٢

الخير والشر

ذهبت مرة إلى مدينة من مدن القدماء لم يبق منها إلا أطلال ونؤى وأحجار فجعلت أنظر إلى تلك الأطلال كأني أنظر إلى قبور السنين الخوالي وغربت الشمس ثم رأيت النجوم في السماء كأنها أطلال الفردوس فرأيت في السماء أطلالاً وفي الأرض أطلالاً وقد خيل لي أن هذه الأرض قبر والناس أموات والسماء سقف ذلك القبر والنجوم أزهار وضعت عليه كما توضع الأزهار فوق القبور فاستلقيت على الأرض وجعلت أنظر إلى النجوم نظرة هوجاء ثم رأيت في السماء جنيين جنياً تتطاير من عينيه النار وجنياً ينبعث من عينيه النور الأول له أذنان مثل أذني الحمار والثاني له أذنان مثل أذني الإنسان ووضع أحدهما أصبعاً تحتي ووضع الآخر أصبعاً فوقي ورفعاني بين أصبعيهما حتى وضعاني على فلك من الأفلاك ورأيت الأرض مثل كرة القدم في الحجم ثم قال الجني الذي ينبعث من عينيه النور وأشار إلى صاحبه هذا إبليس لا يغرنك منه أن أذنيه مثل أذني الحمار فإنه على ذلك كثير الدهاء كثير الذكاء ولكن لو لم يكن بينه وبين الحمار شبه ما فضل الشر على الخير فضحك إبليس وقال لا تضع الوقت في المزاح ثم التفت إلي وأشار إلى صاحبه وقال هذا صاحب الخير وأنا صاحب الشر وهذه الكرة التي أخرجناك منها هي كرة نلعب بها فأما غلبني وأما غلبته عليها قلت ومن الحكم بينكما قال الله يحكم بيننا ثم جعلا يلعبان بالكرة الأرضية هذا يضربها برجله من ناحية وذاك يضربها من ناحية أخرى ثم نظرت إلى صاحب الخير فرأيته يكبر في حجم جسمه ورأيت صاحب الشر يصغر فسألت صاحب الخير في ذلك فقال أنا دائماً أكبر لأنه لا نهاية للخير وإبليس يصغر دائماً ولكنه لا يفنى أبداً لأنه أن لا