إذا صادف من باب الاستثناء أن خرج المجلس على أمره كان خروجه عبثاً غير مطاع.
وأدرع إسماعيل بالمجلس ضد تداخل أوروبا وحاربها به زمناً لكن قناصل الدول الأوروبية كانوا يعتدون أن هذا المجلس صورة عملها إسماعيل لخدمته لا تجيب شيئاً من أطماع الأمة التي كانت في نظرهم دائمة الأنين من عمل الخديو ودائمة الطاعة لكل متسلط لذلك استمروا في محاربة إسماعيل حربهم الشعواء والتجأ هو في سنة ١٨٧٨ لتأليف الوزارة النسئولة التي ضمت بين وزارتها أوروبيين هما المستر ريفرس ولسن والمسيو دبلتير والتي كانت عليه أكثر مما كانت له. ومن الأسف أن الأمة كانت أبعد ما يكون عن أن تفكر في كل هذه الحركات السياسية بل كانت تعتقد بسلطان الخديو المطلق اعتقادها بسلطان القوى السماوية وترى أن أسلم الطرق عاقبة التسليم له بكل ما يطلب وطلب رضاه دائماً. ومهما يكن من جهاد إسماعيل للاستنجاد بها في هذه المدة الأخيرة فإن أخلاق الضعف والخوف لم تكن تسمح لها بنصرته مع أن موقفه كان ادعي ما يكون للنصرة. واستحسن هو ذلك منها فلم يلجأ لمعاكسة أوروبا إلا بمسائل شكلية نظرية صرفة وبمجلس شورى النواب الذي لم يكن ذا حول مطلقاً فلما بلغت معاكسة أوروبا حداً قصياً لجأ إلى الباب العالي بطلب نجدته. فأجاب الباب العالي طلبه بأن عزله وولى مكانه ابنه توفيق.
وكان توفيق أميراً مستقيماً حسن المقاصد كامل الأخلاق مقتصداً لكنه كان لا يستطيع أن يتصرف في المركز العسير الذي وجد فيه (ريسنييه، مسألة مصر ص١٧٩) لذلك لم تلبث حركات القلق وعدم الرضى عن حال الحكم إن ظهرت بعد أن كانت مستترة خائفة في حكم إسماعيل. وابتدأت الفتنة العسكرية في سنة ١٨٨٠ وكبرت رويداً رويداً حتى صارت الثورة العرابية. وتحت هذا الاسم طالب رؤساؤها حاكم البلاد بأن يسلم الأمة مفاتيح الحكم ويشرع لها مجلساً نيابياً كامل السلطة، وكبرت هذه الفكرة وامتدت وتألف حولها حزب وطني يناصرها. وأقرها توفيق ووضع لمصر برلماناً نيابياً بالمعنى الكامل وحسب القائمون بالحركة أنهم وصلوا إلى كثير مما يبتغون وانتظروا اجتماع مجلسهم وحياته الطويلة التي أملوا أن تبعث للبلاد إحساساً كاملاً بمعنى الحرية وحباً متناهياً لها يقتضى الاستماتة في الدفاع عنها. لكن آمالهم مع الأسف لم تلبث أن انكسفت أمام حوادث الثورة وهزيمة العرابيين في التل الكبير وبدأ احتلال الإنكليز للبلاد في سنة ١٨٨٢.