للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكومة تركيا أن لا مناص من الاعتراف برأي جماعة العلماء فأقرته في الملك واستتب له الأمر وحكم على أرقى نظامات الاستبداد فجعل الأرض كلها ملك الحكومة وما على الأرض من بني آدم ونعم يتبعها طبعاً. وتمكن بذكائه المفرط وحسن حظه وبمعونة من استوفدهم من أوروبا ليعينوه بعلمهم في حكم ملكه الجديد من توسيع ذلك الملك وإعلاء شأنه. وعلى الرغم من نظام الاحتكار الذي أوجده فقد تسني له من طريق المجهودات الصناعية التي أدخلها أن يبعث إلى البلاد حياة وحركة اقتصادية لم تكن تعرف من قبل. وعلى العموم كان حكمه حكم المستبد الذكي ولم تكن الأمة تعرف لنفسها أي حق.

وولى من بعده إبراهيم وعباس وسعيد ولم تكن ولايتهم ذات شأن إلا فيما يتعلق باتفاق سعيد مع المسيو دلسبس على إنشاء قناة السويبس. ثم جاء إسماعيل بأفكاره الجميلة التي أراد البلاد عليها. فلما لم تتمكن من السير معه تركها وجعل هو يعمل ما يخيل له أنه حسن. وأحاط به جماعة أقاموا أنفسهم مشيرين له. ولقد كانوا أغلب الأمر ذوي أطماع شرهة أكثر من أن يكونوا مخلصين محبين للمصلحة العامة. فزينوا لإسماعيل أن يتوسع في أعماله مكبرين له ثروة البلاد على مقياس لو دقق هو في ملاحظته لعلم أن فيه من الغلو والإغراق مالا مثيل له. وتوسع في الأعمال وتوسع على أثر ذلك في الاستدانة وأثقلت الحكومة الأمة بالضرائب. والشعب المصري هو دائماً ذلك الشعب الهادئ المستسلم الكثير الاحتمال. فلما زاد الدين عن النصاب الممكن لحال البلاد الاقتصادية على ما كانت عليه من الفوضى يومئذ أن تقوم بسداده علت ضجة الدائنين من الأوروبيين في سنة ١٨٧٥ وطلبوا من أممهم التداخل. هنالك فكر إسماعيل في أن يلجأ إلى أمته هو الآخر وأن يؤلف من بين أهلها مجلساً يعرضه لأورا ويتقى به خطر النقد المر لشخصه. فألف مجلس شورى النواب وجعله يجتمع ليصادق على أعمال المليك المطاع الكلمة. ولم يكن هذا المجلس إلا شورياً بحتاً فقد كان على حسب نص لائحته إلا في الأمور التي ترى الحكومة أنها من خصائصه فيدرسها ويبدي رأيه فيها للحضرة الخديوية فينظر فيه المجلس الخصوصي وتتذاكر فيه الأقلام والقومسيونات ثم يعاد إلى مجلس الشورى ويرجع أخيراً إلى الجناب الخديوي وهو صاحب الأمر فيه، فإذا كان الجناب الخديوي على ثقة من أن هذا المجلس سيوافق دائماً رغباته ويقر أوامره ويرى رأيه فإنه يحفظ لنفسه الحق في أن يكون له الأمر الأخير حتى