للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ١٨٤٨. وسرت عدوى هذه الثورة إلى أنحاء أوروبا وحركت من نفوس أهلها جميعاً وظهرت بذلك حقوق الأمم واضحة قوية وقامت الديمقراطية تأخذ المكان الأول وأصبحت حقوق الشعب مقدسة لا تمس لا استثارات أصحابها، وإلا ردت الغاصب على عقبه.

ـ ٥ ـ

لما ابتدأت فرنسا فتوحاتها من بعد الثورة الفرنساوية على يد نابليون كانت مصر من بين البلاد التي توجهت إليها أنظار ساسة ذلك العصر. فجاءها نابليون بجيشه وبطائفة من علماء بلاده معه. ولما نزلوها أرادوا أن يقيموا شيئاً من آثار مبادئ الثورة الفرنساوية بين ربوعها فألفوا مجلساً يمثل طوائف الأمة المختلفة وينظر في أمورها الداخلية. ولاشك أن إيجاد هذا المجلس يعد من باب حسن السياسة في الاستعمار فإن حكم الأمم أمر غير يسير لتباين ما بين المستعمر والمغلوب من الأخلاق واللغة والعقائد. فلأجل أن يكون هذا الحكم على شكل غير مشوش يجب أن يستعين الحاكم الغالب بجماعة من بين المغلوبين ليرشدوه إلى طريق السلطة على أهل بلادهم. وتؤلف هذه الجماعة طبعاً على النظام الذي يفهمه ذلك الحاكم في بلاده. لذلك ألف نابليون ومن معه هذا المجلس الجامع لمختلف الطوائف في مصر. ألفوه في حين كانت البلاد أبعد ما يكون عن الإحساس بالحاجة إليه لطول ما توالى عليها من ظلم الأتراك والمماليك. لذلك ما لبثوا أن انجلوا عنها حتى انحل عقد المجلس ورجع الحال إلى نصابه القديم.

ولطول ما ألف الناس الخضوع لم يفكر أحد في اغتنام فرصة وجود الفرنساويين وجلائهم ليسعي في إدخال فكرة الاستقلال إلى البلاد. بل لقد استقبل محمد علي ومن معه بصفتهم مبعوثي الباب العالي على الرحب والسعة. وبوصول هذه البعثة العثمانية أبدأ عصر الدسائس فجاهد جماعة المماليك من ناحية ومحمد علي من ناحية ليكسبوا عطف العلماء وبالتالي عطف الأمة. ولم يجل بخاطر أحد من أهل تلك الأمة أن يلقي دلوه في الدلاء وأن يدس مع الدساسين ويرمى بمطمعه إلى ما كان يرمي إليه أحد الفريقين وكأنما صدقت في مصر يومئذ نظرية أفلاطون من أن هناك قوماً خلقوا ليحكموا وجماعة خلقوا ليكونوا محكومين. وانتهت هذه الدسائس بولاية محمد علي برضي العلماء وبمذبحة المماليك وأرسل محمد علي إلى السلطان يخبره أن عبيد الباب العالي قبلوه ملكاً عليهم. ورأت