ثورة وخروجاً على قواعد جمعية يومئذ وكان ذا أسلوب في الكتابة مملوء لوناً وقوة. أما مونتسكيو فكان من طائفة الأشراف كما كان ذا أسلوب علمي هادئ. لهذا لقيت كتابات روسو رواجاً وانتشاراً، وزادها رواجاً أنها لقيت من جانب الحكومة معارضة شديدة. كما أن نظام جمعية القرن الثامن عشر الذي قام على أنقاض نظام جمعية لويس الرابع عشر من وجود صالونات العائلات الكبيرة واجتماع الكتاب والعلماء في هذه الصالونات زاد أفكار روسو انتشاراً وجعل خطابه عن عدم المساواة وآرائه في الحرية وثورته ضد الملكية والأشراف مضغة في الأفواه وموضعاً للنقد وللتحبيذ من جانب فولتير ودلمبير وعدد كبير غيرهم.
ولقيت هذه الروح الثورية أرضاً مستعدة لاستقبالها لما ترك القرن السابع عشر بعده من الآثار التي قدمنا ذكرها. وما كادت الأسباب تتهيأ حتى قامت الثورة الكبرى في فرنسا طاحنة شنيعة تنادي بأجمل المبادئ فأسقطت الملك والأشراف وأقامت حكومة الشعب بأكمل معانيها. فلم يك شيء يتم إلا بالانتخاب ولم يك مرجع إلا صوت الأمة. ونقشت كلمات الحرية والإخاء والمساواة في كل مكان واحتلت من القلوب حباتها. وازداد حدب الناس على هذه الحقوق إلى حد مخيف وصاروا يخشون عليها كل موضع ظنه. ولا يعرفون إلى إعلائها سبيلاً إلا بالقتل وإراقة الدماء.
هذه النفوس الملتهبة الشيقة للعظمة والحرية قضت على حرية أشخاص كثيرين وعلى حياتهم أشبه بسيطة ومقابل ذلك كانت ترفع من تعتقد فيه الإخلاص لها والصدق في العمل إلى مقام الملوك وانتهت بأن رضيت أعظم رجالها ملكاً عليها وأسلمته مفاتيح الحكم،. ذلك الرجل هو نابليون. وقام هو مخوفاً مستبداً دائساً تحت قدمه معاني الحرية طامعاً في الإمبراطورية العظيمة - إمبراطورية العالم أجمع.
وأنتج عصره من المبادئ والآراء مالا يزال الأكثر منه خالداً تشخص له الأبصار معجبة مقدسة. ولكن هذه المبادئ جميعاً تلاشت في حكمه وفنيت أمام عظمة سلطانه وهمدت الحرية بعدما أحدثت رجتها الهائلة وبعد أن انتشرت مع الجيوش الفرنسوية في أنحاء أوروبا. لكن هذا الهمود كان وقتياً. ولم تمض بعد نابليون إلا سنين قلائل حتى ثارت فرنسا من جديد محتجة على اغتصاب حقوق نالتها بثمن غال من الدماء والأرواح وكان ذلك في