للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سلطانه. كما ابتدأ الاتصال الذي أوجدته ضرورات الوقت الاقتصادية بين القارة وإنكلترا ينقل إلى أمم أوروبا صور الأفكار والنظامات الإنكليزية ويبعث إلى النفوس شيئاً من معنى الاعتداد بذاتها وطلب الاعتراف بوجود شخص لها وبالتالي الملال من هذا الحكم المستبد الجائر. وتعاونت الأسباب الداخلية والخارجية وابتدأت تظهر على النظامات الاستبدادية علائم القلق والاضطراب.

وساعد على ظهور نتيجة هذه الأسباب كلها أن الملك العظيم لويس الرابع عشر كان قد أغرق في الاستدانة ليستزيد إلى حد الخيال من ملاذ الترف ويزيد ما أمكن في أبهة ملكه وجلاله. ونتيجة الاستدانة في البلاد المحكومة بالاستبداد زيادة الضرائب إلى حد يجهد أهلها. ومتى كان ذلك أحس هؤلاء الأهالي بالضغط وابتدأوا يضجرون من الحكم وينادون ضده. وذلك هو ما حصل. وهذا الضجر شجع الأسباب الأولى على أن تنتج نتائجها. وكان ذلك كله أساس الثورة الفرنساوية.

بعد حكم لويس الرابع عشر وفي مبتدأ ظهور نتائجه ابتدأت عدوى النظامات الإنكليزية تنتقل للقارة بشكل واضح. وكانت هذه النظامات قد بلغت يومئذ في رقبها مقاماً محموداً. استتب النظام النيابي على قواعد أرستقراطية ثابتة وقامت حكومة أبوية تلحظ الشعب بعين الرعاية كما يراقبها الشعب وهو يقظ لما تعمل مستعد للتمسك بحقوقه عند الحاجة. وانتقلت هذه العدوى من طريق المكاتبة الخاصة بين الأفراد أولاً ثم من طريق الملاحظة العامة والنشر. ولقد تشبع بمبادئها جماعة غير قليلين من كتاب فرنسا في القرن الثامن عشر وأكبر هؤلاء مونتيسكيو وبمجموع الملاحظات التي عمل وضع كتابه روح الشرائع، ضمنه نظام الحكومات وقرر فيه قاعدة فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وظهر مع كتابه عدد من الكتب الأخرى أخذت منه بعض الشيء وأظهرت ملاحظات أصحابها كذلك في القسم الأكبر منها. ومن أهم تلك الكتب وأكثرها أثراًَ كتاب العقد الاجتماعي الذي وضعه جان جاك روسو، وإذا كان المقام الآن لا يسع تقرير المبادئ التي وصفوا فإن نتيجة ما كتبوا تهمنا هنا جداً. ذلك بأنها قررت بشكل صريح وواضح معنى الحرية على معنى ما نفهمها به الآن. إطلاق قوى كل فرد في حدود الإضرار بالغير.

ولقد كان روسو أظهر أثراً من مونتسكيو لأنه كان من عامة الشعب وكان ذا روح مملوءة