للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنها كذلك كانت دائمة الهدوء مالكة روعها هي أشبه شيء بحركات الرجل القوي العاقل مملوءة نشاطاً ومملوءة رزانة. ولسنا ندري إذا كانت إنكلترا ستقدر على أن تتخطى الأزمات الحاضرة التي هي فيها بمثل ذلك النشاط وتلك الرزانة المتين عرفهما لها التاريخ أو أن شيئاً جديداً دخل إلى جسمها وربما يغير من نظامه.

قدمنا أنه بينما كانت إنكلترا ثائرة ضد ظلم الملك كانت أوروبا مخضبة بدماء المجازر الدينية غير ملتفتة إلى سلطة الملك السياسية ولا مهتمة لها. وكان الملك هو كذلك متحزباً مع أهل مذهب علي أهل مذهب آخر. وكأنما فرغت الأمم يومئذ من كل همومها الدنيوية فانصرفت إلى هم الدين تريد أن ترتب ما يضمن لها سعادة الدارين وكأنها كانت دائمة الجزع للمستقبل الغير المعروف فتلهت بالنظر في أمره عن النظر في أمور دنياها. واستفاد الملوك طبعاً من ذلك المركز وتعززت سلطتهم المطلقة ووجد استبدادهم المجال فسيحاً ليظهر بأقسى مظاهره. لذلك كانت الحركة النيابية معدومة أو تكاد ولم تهتم حكومات ذلك الوقت بالالتجاء إلى رأي المجموع الأسني القحط والضنك. وساعد على بقاء هذا الاستبداد الملكي أن جماعة الأشراف كانوا هم الآخرون في مركز ملوط يحكمون اقطاعاتهم الواسعة بمثل الاستبداد الذي يحكم به الملك الأمة. لهذا ولأن الشعوب كانت لا تزال مرتكسة في الجهالة ولأن الإحساس بالحرية لم يكن وجد في النفوس السبيل بقيت الفكرة النيابية غريبة عن أوروبا كل تلك العصور الوسطى.

لكن تلك الحال لم يكن من شأنها أن تدوم. فإن سلطة الملك وصلت إلى حد من الاستفحال غير معقول، كما أن الحركات الدينية هدأت بعد القرن السادس عشر وفكر الناس في الحياة المطمئنة. وابتدأت الحركة الاقتصادية تنمو على أثر هذا الهدوء وتزيد في فخامة سلطان الملك. ولقد كان أكبر ملوك القرن السابع عشرة لويس الرابع عشر ملك فرنسا. فلما رأى عظمة سلطانه وامتداد ملكه وأبهة جلاله أفسح لنفسه مجال الترف وضم الأشراف إلى جانبه فتركوا مقاطعاتهم واستحبوا القربى منه وتوسلوا بالزلفى إليه وإلى محظياته لينالوا عطفه ورضاه. تركوا مقاطعاتهم ونزلوا فرساليا حيث قصره الفخيم وتركوا بذلك لمن دونهم من أصحاب الأطماع وعشاق السلطة أن يبث في الناس روح الحزبية ضد هؤلاء الملوك الجزئيين. وتعاون هذا الداء مع الأدواء الأخرى التي تلزم الاستبداد حتى يتسع ملك