للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الميل للعدل. فلما ثار معهم وأسقطوا سلطة الملك قام من بينهم كرمويل مستبداً بالسلطة ممتهناً حقوق البرلمان ناسياً فضل الشعب. ولما كانت الحرية يومئذ لا تزال في مهدها لم تمتلئ بها النفوس لتكون بذلك على استعداد دائم لدفع كل معتد عليها ولما أن البلاد نالها جهد شديد من أثر هذه الحروب رضخت لسلطة هذا الرجل الذي كانت تعد فيه صديقاً لها. ومهما تكن فترة السكون هذه طبيعية كالتي تعقب كل رجة شديدة فإن ما لاش فيه أن نفوس الأغلبية يومئذ كانت لم تبلغ من التحفز إلى جهة الحرية درجة عليا. بل كانت آثار الحركة الدينية لا تزال ذات أثر مستقر في القلوب غطته حركة الثورة التي استثارها الظلم الشنيع فلما خفض من ذلك الظلم بعض الشيء ظهر ذلك الأثر من جديد وبانت للعالم نتائجه.

على أن إنكلترا لها بما نادت به يومئذ من الأفكار أكبر الفخر. فإنها كانت تنادي بالحرية السياسية من رق الملكية المطلقة في حين كانت أوروبا لا تزال تموج بالدماء من جراء الحروب الدينية التي قامت على أثر ما أعلنه لوثر وكلفني وأعوانهما من حركة الإصلاح الديني. وإذا كانت هذه الحركة نفسها وامتدادها إلى إنكلترا عن طرق كسوث وأخذ كرومويل وأعوانه بنصرتها مما ساعد إلى حد كبير على تحرير الأفكار من ربقة الوهم وتقويض ما دعمت به ملكية يومئذ وجودها من أساس الحق المقدس فإن تعدي الإنكليز نطاق الحركة الدينية البحتة وخروجهم بالفكرة إلى دائرة حياة البلاد السياسية أمر يستدعي الإعجاب. ومن ذلك اليوم ظلت إنكلترا تتقدم في طريق الحياة النيابية ويرتقي برلمانها على قواعد أرستقراطية متينة حتى وصل إلى النصف الأخير من القرن التاسع عشر. وفي هذا النصف ابتدأت المبادئ الديمقراطية تجد إليه مدخلاً. وذلك لأن إحساس الشعب خرج من المحافظة القديمة وهبت عليه من جهة القارة نسمات جديدة بعثت بها المبادئ التي أعلت الثورة الفرنساوية شأنها - مبادئ الحرية والإخاء والمساواة.

من هذا التطور الذي أوصل البرلمان الإنكليزي إلى موقفه الحاضر يظهر لنا أن جماعة الإنكليز ساروا على نظام التدرج المتتابع من حكم الفرد إلى حكم الأرستقراطية وهاهم يتقدمون إلى حكم الشعب بخطى واسعة. وكانوا في سيرهم يتأثرون بما يقع في الأمم الأخرى فيأخذونه إليهم ولكنه يدخل إلى جزيرتهم رويداً رويداً ويأخذ دائماً في دخوله الصبغة الإنكليزية. ولهذا كانت حركاتهم في التقدم من أيام كرومويل إلى اليوم دائمة الحياة