يدخل إلى نفوسهم شيء من معنى الاستسلام والتواكل واعتقاد بالجبر غريب، وتطمئن نفوسهم إلى شيء من الذل، فإذا وجد صاحب سلطان قوي وجد منهم خضوعاًَ وطاعة، ولقد كان ذلك شأن الأمم في القرون الوسطى، واختلطت هذه الطاعة للسلطان بالطاعة لأوامر الدين حتى أصبحت تعتبر جزءاً من الدين وأصبح الملك مستمداً سلطته من الله.
ولهذا لم تكن برلمانات الزمن القديم وخصوصاً في فرنسا برلمانات تشريعية بل كانت هيئات قضائية تعرض عليها المسائل لتحكم هي فيها على حسب ما تأمر به القوانين التي وضعها ممثل السلطة العليا وهو الملك. وإن مراجعة تاريخ القرن الخامس عشر لتدلنا على أن الأمة لم تكن لتستدعى في شيء إلا في أوقات القحط والإفلاس حين كان يحس الملك من نفسه العجز المطلق عن الإحسان في الحكم. وظل الأمر كذلك إلى سنة ١٦١٤ ومن بعدها استبعدت الأمة من المناقشات إلى بزوغ فجر الثورة الفرنساوية.
أما إنكلترا فلم يكن الحال فيها على ما كان عليه في القارة ويظهر أن عزلة هذه الجزيرة عن باقي أوروبا كانت ولا تزال سبباً في إعطاء سكانها شخصية ثابتة معينة لا يجدها أهل أوروبا القريبة كل أمة فيها لتتأثر بما يقع في الأمم الأخرى. وهذا هو الذي يجعلنا نفسر إسراع الإنكليز على ما هو معروف عنهم من المحافظة ليهبوا إلى طلب الحرية قبل أن يجول ذلك بنفس أية أمة أخرى. ولكأنهم سرت إليه العدوى من نظامات الرومان القوية بعد أن ارتكست روما في درك الاستبداد وتورطت في حمأة الترف من جانب الأغنياء وفي رجس المذلة من جهة الفقراء فنبهت الإنكليز هذه العدوى ليقوموا مطالبين تحديد تصرف الملك المطلق. ولقد وصلوا فعلاً في عهد إدوارد الأول ليكونوا برلماناً تألف من مجلسين مجلس للنواب وآخر للوردات على نظام السناتو ومجلس الشعب. وكان مجلس اللوردات يومئذ صاحب الحول الأكبر. ثم توالت الأيام بعد ذلك حتى جاء شارل الأول وأراد أن يعبث بالنظام الحاضر ويستبد بالملك وادعى لنفسه الحق الإلهي في الحكم هنالك ثارت إنكلترا ثورتها الكبيرة التي ظهر فيها أوليفر كرومويل بمظهر الرجل المريد والتي انتهت بقطع رأس شارل الأول بعد أن أخذت منه عهدة بحقوق الأمة الإنكليزية.
وما كان أشبه هذه الحركة بما حصل في روما. تحزب الأشراف أول إلا مرضد الملك وتمكنوا بما لهم من السلطات على عامة اشعب أن يسثيروه معهم بإظهار مظالمه وإدعاء