للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل الفضائل وتتلاشى السيئات. فكان القناصل يعملون بكل القوة التي يمكن أن تصدر عن ملك من غير أن يكونوا مستبدين لوجود الرقابة عليهم، وكانت السناتو تدير المالية وترعى السياسة الخارجية وتتمكن بذلك من حد سلطة القناصل كما كانت تنظر في القضايا العامة. ولم يكن دور الشعب بأقل أهمية من ذلك فإنه كان ينتخب القضاة ويقرر مسائل الحرب والسلم. وكانت هذه السلطات كلها مرتبة غير متضاربة ترمى لغرض واحد هو عظمة روما. وهذا الغرض الذي رمت إليه قد بلغته.

لكن هذه العظمة نفسها كانت تحمل في ثناياها بذور المرض والفساد. ذلك بأن التوازن في السلطات لم يكن مبنياً على احتفاظ كل منها بحق تعتقده ولكنه كان نتيجة محتومة للمجهودات التي صرفت من جانب الأشراف والشعب للحصول على المساواة السياسية. فلما ترامت أطراف المملكة انهالت إليها الثروة فكان الأشراف أول من يتلقاها بما لهم من تالد العز والثروة، وعلى هذا ابتدأ التوازن يختل وابتدأت المدينة ينخر فيها سوس الترف من جانب الأشراف ويقابله ألم التعس من جانب الشعب، ولم يكن الشعب يقدر لنفسه حقوقاً يريد أن يحتفظ بها حتى يجعلها موضع نظره كما أن اختلاط الأجانب المهزومين بالغزاة الفاتحين جر إلى النتيجة عينها من زيادة فوضي الشعب وضياع نظامه، وبدل ذلك المجموع المرتب الذي كان عضواً عاملاً في عظمة روما أصبح غوغاء أميل إلى التجمهر على غير جدوى من العمل المرتب المنتج وأصبح بذلك ألعوبة في يد كل قوى يغريه بالوعود أو ينثر له المال ويجود عليه بالملذات، وبكلمة أخرى أصبح مستعداً للاستبداد لا ينقصه إلا الحاكم المستبد.

ولقد كان قيصر على باب أن ينادي به ملكاً لولا أن عوجل بالقتل، وبعد قيصر بأيام ليست بالطويلة حكمت روما بالاستبداد واستمرت فيه.

في تلك العصور دخلت المسيحية بلاد الرومان وابتدأ قانونها يأخذ مكان القانون الروماني أو يأخذه إليه، ومهما كانت هي في أصلها ديانة عبادية صرفة فقد جعلت تمتد وتضم إلى جناحها وتحت سلطاتها المعاملات الدنيوية شيئاً فشيئاً، وحرض رجالها على ذلك ضم السلطة الدينية والسلطة الزمنية في شخص البابا، فكان بما له من السلطان على الملك أكبر مشرع، ومتى أصبح القانون دينياً لم يبق في يد الناس طبعاً أن يشرعوا لأنفسهم، لهذا