للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بروح الطائر خوفاً وهلعاً، ويعتقد طائعاً في كل هذه الأمور تفسير العارفين بأفكار الآلهة. يمضي حياته في المزرعة أو في الجيش ولا يبقى من بني طائفته في المدينة إلا عدد قليل لم تكن حياتهم التافهة الوضيعة لتبعث إليهم رأياً من الآراء الحرة أو الصريحة، فلاحهم في المزرعة كفلاح كل القرون قوي مجد صابر مهتم للفائدة العاجلة قليل الميل للأحلام والآمال خاضع لما لا بد منه محافظة بفطرته. وجنديهم معتاد النظام مطواع، على العموم لم يكن في حياة ابن الشعب ما يدفع خياله للحركة بل كان عقله عملياً متجهاً لتقدير الوقائع أكثر من اتجاهه للمسائل الفكرية ولهذا لم يكن مستعداً لابتكار نظام حكومي يريد تحقيقه، كما أنه لو أراده كان يجد أمامه خصوماً لا يتنازلون له إلا مرغمين ركروازيه، الديمقراطيات القديمة ص٣٠٨ لهذا كان سعي الشعب إلى جهة الحرية بطيئاً جداً، لكنه كان موجوداً دائماً لإحساس الشعب بضغط الأشراف عليه، وظهر أخيراً بالمظهر الوحيد الممكن النجاح حيث اضرب الشعب عن الاشتراك في الحرب مقرراً ذلك في اجتماع عقده فوق الجبل المقدس، ولما رأى السناتو ما في الأمر من حقيقة الخطر اضطر للإذعان واعترف بجماعة ممثلي الشعب الذين أعطوا رآسته، والذين كانوا يتكلمون بصوته على أن سلطتهم أول الأمر كانت قليلة حيث كانت ممتدة على الشعب وحده فكانوا يجمعونه ويأخذون رأيه ورأيه لا يكون نافذاً إلا بعد أن يقره السناتو. لكنهم وصلوا أخيراً ليكون لهم من الحق بحيث يستطيعون تعطيل أي قرار تريده السلطة، فلا ينفذ رأيها على الشغب إلا برضاهم، ولما كان ذلك مما يعطل حتماً كل القرارات لجأ هؤلاء الرؤساء إلى استعماله ميل حقوق جديدة لمن يمثلونهم، فكانوا كلما طلبوا للموافقة على أمر جديد عرضوا حقهم في الرفض وطالبوا بحق جديد ليوافقوا على الأمر المعروض عليهم. ومن هذا تدرجوا إلى المساواة بين الأشراف والشعب.

وبعد الوصول إلى هاته المساواة السياسية فرغت روما إلى فتوحاتها الخارجية واتسع نطاق ملكها وغلبت قرطاجنة وظهرت بمظهر العظمة الذي يخلده التاريخ لها وتجلت أمام العالم قادرة لم تدنس فيها الأخلاق بعد بالترف، قسمت الأعمال العامة بين أهلها بشكل منتظم، واحترمت القوانين وحفظ الدين الأفراد في دائرة الواجب ودفع شرف الاسم الروماني الناس للعمل الجد والشجاعة الحقيقية وكان نظامها السياسي يومئذ متوازناً بحيث تظهر معه