للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلشد ما جاذبته فؤادها، ونازعته قيادها، حتى أدركها الضعف - والفتيات ضعيفات - فسقطت تتخبط في حبالته كتخبط الطائر في شبكة الصائد، تجاذبه حيناً، وتقر حيناً، فإذا هي أخيذته، كم ظلت لدى ذلك الوحش المفترس محبوسة به عن أهلها - ممنوعة من ذويها، وهو يتلهى بها، ويتعلل بمحاسنها، قبل أن يصل إلى فؤادها، وينفذ إلى قلبها، كحامل الكأس يحبسها طويلاً في يده ليلتذ بمرآها الأنيق، ويتعلل بمنظرها الشائق.

تلك الرياض الناضرة المونقة في الجزيرة شهدت هذه الزهرة الذابلة تهصرها كف ذلك الجاني الآثم، هناك حيث لا ينفك تهتصر الغصون، وتجتني الأزهار، ومن لها بالجلادة والامتناع، وأنى لفتاة مثلها بالصبر والعصمة، وإن في صدرها لنارين متأججتين: نار أسى وشجو، ونار صبابة والتياع، ضرمهما الخائن الخادع، وأوقدهما على كبدها المتصدعة بما جنى على عفتها، وشب في قلبها من حب، وكم اعتمدت أن تبرّد من ناريها، وتطفئ من جمرتي فؤادها، بما تفيض من نيل دموعها الهامية، فما أطفأ ذلك وقداً، ولا أهدي لصدرها برداً، لقد ألحّ الحزن عليها وشرد من لبها فألقت بنفسها، وتساقطت بين تلك الرياض محزونة ذاهلة مقسمة اللب، حتى ليخيل إلى من يراها أنها إحدى زهرات الروض الساقطة الذابلة، ويحي على مصر وأواه من هذا البلد المحبوب المفدى بالنفوس ألا يبرح من خلائقه ودأب أهليه أن تظل ناشئته المرجوة، والشباب المرتقب من شبانه، حرباً عواناً على الغيد الملاح من فتياته الكرائم، وعقائله المصونات، بما يكدرون في كل آونة من ماء الحسن، ويدنسون من نقيّ الأعراض، بعض هذا أيها القوم ومهلاً قليلاً، فما هكذا يكون عهد الإصلاح، ولا هكذا تكون المدنية، والأخذ بأسباب الرقيّ والحضارة، ومتى كانت الأحرار تسترسل في سوءاتها وتذهب في مخازيها في كل مذهب، تساءلتم طويلاً وتناظرتم كثيراً في أي الأمرين من السفور والحجاب، أجدى على مصر، وأعود عليها بالفلاح والرفعة، وهذه مصر تشكو إليكم سافراتها ومحجوباتها وتبرأ إليكم من عصرياتها ورجعياتها، إن النساء قلوبنا التي نقيم دونها الصدور، وعقولنا التي تسددنا إلى كل عمل حميد، ومسعى كريم، ولطالما أرخينا الاعنة لهذه القلوب المحبوبة، فجعلت تتناهبها الأهواء، وتعبث بها الأضاليل ولشد ما شف القلب ركوبه الذلة، وأودى به غشيانه كل ملهاة شائنة لله أنتم فما أرجح أحلامكم، وأوفي عقولكم، وأكرم شمائلكم، أين يذهب بكم هداكم الله عن طريق الهداية