للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضرامها الويل والعذاب.

أجل إني لأصدق الناس إيماناً بذلك الآلة الأعمى وإني لأمضي في إيماني به إلى أقصى غاياته، وأسترسل في تصديقي بتعاليمه إلى أبعد درجاته فهل تريدون أن أسوق إليكم اعترافي يا معاشر القراء - بلى إني لا أومن بوجود قلوب كسيرة، وأفئدة جرحى، وأكباد حرى، وأصدق باحتمال حدوث الموت من الحب الخائب، والحتف في الغرام الضائع، على حين لا أظنه في كل حال داء في الرجال قتالاً، وإن كنت على يقين أن الحب كم ذوي من غادة فتانه، وكم هبط بشابه حسناء إلى ما جون الجنادل والصفائح.

وتعلم أنت أن الرجل منا مخلوق اللذة والطمع. تدفعه طبيعته إلى معترك العالم وضوضائه وجلبته. فليس الحب منه إلا زين شبابه وحليته. بل إن هو إلا مثل أنشودة تعزف. وأغنية بها يصدح ويهتف. بين فترات الفصول وفسحاته. يطمح بعينيه إلى طيب الذكر. ويمد طرفه إلى حسن القالة. ويجد للثراء والنضراء. ويطلب له مكاناً في عقل العالم وذاكرته. ويربغ سياد \ ة على الناس ورفعة شأن.

وأما جميع حياة المرأة فتاريخ عواطفها ووجداناتها. عالمها. قلبها. ودنياها. كبدها. طماعيتها أن تنشيء على هذا العالم دولة. وتقيم على عرش هذه الدنيا مملكة ومطمحها أن تفتش في ثناياه عن خبأ الكنوز. وتثير منه هاجع الدفائن فهي لهذا تبعث بعواطفها مخاطرة ومجازفة. وتنفذ جميع روحها إلى متجر الحب وسوقه. فإذا غرقت تجارتها. واحتوى الماء بضاعتها فأكبر ببلواها من بلوى. وأسوئ بعقباها من عقبي، وحسبك أنه إفلاس القلب. وخراب الفؤاد.

وخيبة الرجل في الحب قد تحدث له آلاماً مرة، ومواجع محرقة، وقد تجرح منه أماكن الرقة، وتدمي منه بعض مواقع البشاشة والوداعة، وتذبل بعض مشام السعادة ووجوهها. ولكنه بعد ما أن يزال مخلوقاً قوياً نشيطاً، يستطيع أن يقذف بأفكاره في زوبعة العمل والجهد، أو يتوارى تحت لج اللهو، وينغمس في مد الملذة والقصف، فإذا برح به الألم لرؤية المكان الذي خاب فيه حبه، واشتدت به اللواعة لمشارفة الموضع الذي فقد فيه قلبه، فليغادر إذا ما شاء مقامه، وليخف من بيته محمله ويستعير كما يقولون أجنحة الصبح، طائراً إلى أنأى أطراف الأرض، مخلداً حيث أقام إلى الراحة والسكون.