وحياة المرأة أن تدبرتها وقارنت بينها وبين حياة الرجل، وجدتها حياة سكون واحتجاب واعتزال وتفكير، وهي أكثر من الرجل متابعة لأفكارها، ومسايرة لمشاعرها، ومصاحبة لعواطفها. فإذا انقلبت رسل حزن، وحلفاء شجن، فليت شعري أين تجد المرأة عزامها، وأين تطلب سلواها؟.
لقد كان نصيبها أن تغازل فتكسب، وتداعب فتطلب، فإذا طاش سهمها في حبها، ولقيت من الغرام نكبة، وعانت من الهوى برحا فعمرك الله، ما أشبه حالها بحصن أغير عليه، فسلب ونهب. ثم ترك مكاناً خالياً، وهجر قاعاً صفصفاً.
كم من عيون مشرقة زاهية انطفأت، وكم من خدود ناعمة أثيلة أصفرت وكم من حسان ذوت، وكم من قدود هيفاء قضب، لا يعلم إلا الله ما سبب ذبول حسنهن، وانطفاء بهائهن، وكما تضم الورقاء جناحيها إليها، فتخفي السهم الذي يبري في عظامها، ويتغلغل في جوانحها. فكذلك كانت طبيعة المرأة أن تخفي عن العالم آلام حبها المجروح، وغرامها الدامي، وما حب المرأة إلا حليف الحياء ظهير الصمت والسكون، فهي وإن نعمت به وسعدت، لا تكاد تصعد به أنفاسها وترفع به إلى أحد زفراتها، وإن هي يئست به وابتأست حملته في زوايا صدرها، وتركته هناك منزوياً مختفياً بين أطلال سعادتها ودوارس هنائها.
لقد خابت بخيبتها أمنية القلب، ومشتهى النفس، وضاعت بهجة الحياة، وانقضت مسرة الوجود تتجنب الملاهي البهيجة، وتترك الملاعب الموجدة للروح المقوية لخفقات القلب، الباعثة مد الحياة في مجاري الأعصاب والأعراق.
تلقاء المضجع، نابية المرقد، مضطربة السرب، مشتتة الراحة، امتزج نومها الحلو الهنيء بسم الأحلام المحزنة، والخيالات المبكية، يمتص دمها حزنها الجاف، حتى يهوى جسمها الضعيف الواهي تحت أخف الطوارق والعوارض، ثم انظر بعد ذلك إليها، تجد الصداقة مرسلة عيونها فوق قبرها، ساكبة مدرار عبراتها فوق ضريحها، مولهة حيرى تعجب للتي كانت بالأمس مشرقة بكل ضياء فوق ضريحها، مولهة حيرى تعجب للتي كانت بالأمس مشرقة بكل ضياء الصحة، متألقة بكل سنا الجمال، أن تشيع بهذه السرعة إلى موطن الظلمات والديدان!.
وعسيت تسمع منهم أنها قضت أثر برد شديد، وهوت من توعك عارض، ولكنهم لا