للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعلمون بذلك الداء الروحاني الدفين، الذي كان من قبل العارض يشرب من صحتها، ويحسو من دمها، حتى جعلها غنيمة ذلولاً لمناسر الموت ومخالبه.

ليت شعري، أن مثلها كمثل شجرة فينانة يانعة، كانت زينة الأجمة، وفخر الحرش، وبهاء الغابة، حسناء المنظر، بهيجة الورق، ممددة الفنن ولكن في جوفها يسرح الدود، ويأكل الأرض، وإذ ذاك لا تلبت أن تجدها قد ذبلت فجاءة وتداعت، وكنا نترقب أن تصبح أينع ما تكون مظهراً، وأنضر ما تكون فرعاً، وأبهى ما تكون غصناً، ولا ننشب أن نرى منها أفناناً مهصورة. وورقاً منتثراً، وعناء مبدداً متساقطاً، حتى إذا اضمحلت وتآكلت، رأيناها ساقطة في سكون الغاب وهدوئه، وإنا لنقف بأطلالها البالية، ونروح على شرف من بقاياها الهاوية، نحاول عبثاً أن نذكر أية صاعقة انقضت عليها، وأية ريح بارح عصفت بها فجعلتها كما أرى أثراً عافياً.

ولقد رأيت من النساء كثيرات، يأخذن في الضعف، ويسترسلن في الفتور والإهمال، حتى يختفين من هذا العالم، ويرتحلن عن هذه الأرض، وكأني بهن أنفاس مرتفعة إلى السماء، أو دخان متصاعد إلى القبة الزرقاء، وكنت أعود كل حين فأتصور أني قادر على اقتفاء سبب موتهن، بين عديد الأمراض والمهالك من سل، أوبرد، أو نحول، أو سوداء، حتى أهتدى خر ذلك إلى أول عوارض الحب الخائب، وأمارات العشق الضائع.

وقد نبئت في هذه الأيام بحادثة من هذا القبيل، انتشر أمرها في البلد الذي وقعت فيه وذاع، وها أنا أقص عليكم تفاصيلها، وأتلو عليكم من نبئها كما قد نليت على، لا زيادة عندي ولا نقصان.

كلكم لابد يذكر قصة الفتى أ. . . . ذلك الإيرلندي الوطني الأشم، إذ هي من التأثير بحيث لا تنسى ولا تبلى.

في خلال الفتن والهزاهز التي كانت قائمة في إيرلندا على ساقها وقدمها، رفعوه إلى القضاة يحكمون في أمره وقد اتهم بالانشقاق على الحكومة، والخروج على جلالة الملك، فما كان من قضائه إلا أن حكموا عليه بالموت، ودفعوا به إلى المقصلة. وكان لمقتله أثر كبير في النفوس، وأسى بليغ في الأفئدة، إذ كان فتى في طراءة الشباب، وكان جواداً في عنفوان الجود، وكان ذكياً في غلواء الذكاء، وكان نجداً في ريعان النجدة وكان على كل الصفات