للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسر فإنا لكذلك يوماً إذا يفنى يستأذن علينا فقلنا له أصعد فإذا رجل نظيف حلو الوجه سري الهيئة ينبئ رواؤه على أنه من أبناء النعم فأقبل علينا فقال إني سمعت مجتمعكم وحسن منادمتكم وصحة إلفتكم حتى كأنكم أدرجتم في قالب واحد فأحببت أن أكون واحداً منكم فلا تحتشموني قال وصادف ذلك منا أقتاراً من الفوت وكثرة من النبيذ وقد كان قال لغلام له أول ما يأذنون لي أن أكون كأحدهم هات ما عندك فغاب الغلام عنا غير كثير ثم أتانا بسلة خيزران فيها طعام المطبخ من جدي ودجاج وفراخ ورقاق وأشنان ومحلب وأخلة فأصبنا من ذلك ثم أفضنا في شرابنا وانبسط الرجل فإذا أحلى خلق الله إذا حدث وأحسنهم استماعاً إذا حدث وأمسكهم عن ملامة إذا خولف ثم أفضينا منه إلى أكرم محالفة وأجمل مساعدة وكنا ربما امتحناه بأن ندعوه إلى الشيء الذي نعلم أنه يكرهه فيزهر لنا أنه لا يحب غيره ويرى ذلك في إشراق وجهه فكنا نعني به عن حسن الفناء ونتدارس أخباره وآدابه فشغلنا ذلك عن تعرف اسمه ونسبه فلم يكن منا إلا تعرف الكنية فإنا سألناه عنها فقال أبو الفضل فقال لنا يوماً بعد اتصال الأنس إلا أخبركم بم عرفتكم قلنا إنا لنحب ذلك قال أحببت جارية في جواركم وكانت سيدتها ذات حبائب فكنت أجلس لها في الطريق التمس اجتيازها فأراها حتى أخلقني الجلوس على الطريق ورأيت غرفتكم هذه فسألت عن خبرها فخبرت عن ائتلافكم وثمالئكم ومساعدة بعضكم بعضاً فسكان الدخول فيما أنتم فيه أسر عندي من الجارية فسألناه عنها فخبرنا فقلنا له نحن تختدعها حتى نظفرك بها فقال يا إخواني إني والله على ما ترون مني من شدة الشغف والكلف بها ما قدرت فيها حراماً قط ولا تقديري إلا مطاولتها ومصابرتها إلى أن يمن الله بثروة فاشتريها فأقام معنا شهرين ونحن في غاية الاعتباط بقربه والسرور بصحبته إلى أن اختلس منا فنالنا بفراقه ثكل ممض ولوعة مؤلمة ولم نعرف له منزلاً نلتمسه فيه فكدر علينا من العيش ما كان طاب لنا به وقبح عندنا ما كان حسن بقربه وجعلنا لا نرى سروراً ولا غما إلا ذكرناه لافضال السرور بصحبته وحضوره والغم بمفارقته فكنا فيه كما قال الشاعر:

يذكر نبهم كل خير رأيته ... وشر فما أنفك منهم على ذكر

فغاب عنا زهاء العشرين يوماً فبينما نحن محتازون يوماً من الرصافة إذا به قد طلع في موكب نبيل وزي جليل فلما بصر بنا انحط عن دابته وانحط غلمانه ثم قال يا إخواني والله