يجعل المرء يدني القدح من فمه دون إرادته. وامتناع الناس عن الشراب أمر هين سهل. كالامتناع عن قول الكذب. واجتناب السرقة والانتهاب.
ليس من طبيعة اليد أن تسرق. ولا من شأن اللسان أن يحمل أفكاً. أو يشهد زوراً. أو يقول بهتاناً. وأن زجرة واحدة من الإرادة المهذبة. تكفي لرد اليد عن متاع الناس. وكف اللسان عن الرتع في لحومهم. وتقول الزور والبهتان.
هين على لسان الكاذب أن يخف للحق خفته للباطل. ويبتهج بقول الصدق ابتهاجه بقول الكذب. الذي اعتاد أن ينثر بذوره. وينثر أخاديعه وأحابيله.
ولكن إذا راح الإنسان مدمناً، وغدا في الحياة سكيراً. . . فعلى رسلك. أيها الأخلاقي، الشديد الأسر، المجتمع الخلق القوي الأعصاب، المنيع الرأس، السليم الكبد، ولا تعجل، ولا ترفع عقيرتك لما كتبت، قبل أن تعلم دخيلة الأمر، (وتستطلع) طلع الداء، فإنك ستمزج، إن علمت، بكراهيتك للرجل الرحمة له، وتخلط باشمئزازك من حاله الحدب عليه، وتعارض أنفتك منه بالرأفة به، وهوناً ولا تمش على أطلال المسكين، ولا تطأ بقدميك بقايا الرجل. ولا تكرهه - وهو في مثل عذابه وآلامه_على إحيائه من حالة موت. أشبه بالحال التي لم ينشر منها لعازر إلا بمعجزة.
لو كنت بدأت بتطبيبه. قبل إدمانه. لأفلج الله سهمك. ولكن ليس لك بعلاجه يدان، وكان بدء شرابه كخوض في مستعر النيران. وماذا يجدي القول. وأجهزة الجسم لا بد من أن تتغير تغيراً شديداً يشبه التغير الذي نشهده في أجسام بعض الهوام والحشرات، وماذا ينفع الوعظ. وبدن المريض يسام عذاباً. لا يقل عن عذاب الذي يسامه الحي الذي يغري أهابه. ويسلخ جلده. وأين الاستسلام لهذه العذابات من الإقبال على تلك الشرور التي لم تؤثر في جسم المقبل عليها تأثيراً يصبح من ضرورياته. ولم تغيره تغيراً يعود من لوازمه. ولم تستول على جسم رهينها وروحه؟
لقد عرفت سكيراً في هذه الحال. حاول أن يكف عن الشراب ليلة واحدة. بعد ما فقدت الصهباء لديه تلك النشوة التي كانت تأتي بها. وخلت الشمول من تلك البهجة التي كانت تحدثها، بعد ما وثق من أن الخمر لن تذهب بشجوه بل تثيره. ولن تضع عنه همه بل تزيده، أجل. لقد عرفته في شدة صراعه. ومحاولته التخلص من ميله إلى معاودة الكأس.