للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لعمري إذا ما سرى هذا التيار تيار الكهرباء المنبعث من ذياك الغرام في صدور أبناء العرب الكرام، فلا جرم أن تتوقد في قلوبهم تلك الحمية التي امتلكوها بها نواصي الأيام. ولا ريب في أن يشتعل في نفوسهم ذلك الحماس الذي سادوا به على الناس فالأيام دول ومن سار على الدرب وصل!

كنت آليت على نفسي في هذه السنة أن لا أناجي هذا النادي، وأن لا أحاضر هذا السامر بما أتلقفه من بطون الطوامير وما أهتدي إليه بين دفات الدفاتر مما ينضاف إليه شيء من علمي القاصر وخاطري الكليل الفاتر وكنت أردت أن أحقق في نفسي ما قاله حكماء العجم والعرب. إن كان الكلام من فضة: فالسكوت من ذهب فلزمت الصمت ولازمت البيت: وعكفت على خدمة الدفاتر والطوامير. ولبثت منتظراً انهيال القناطر من الدنانير: ولكن حرفة الأدب لا نسبة ولا نسب بينها وبين الذهب. فلم أحظ بذهب السكوت وانفضت عني فضة الكلام فكان حظي صفقة المغبون.

وكأن الأقمار حكمت علي بفضة الكلام لا غير فأثارني من مكمني. وهزني بشدة عنيفة لمعاودة المحاضرة في هذا النادي.

ذلك أن جريدة النوفيل التي تصدر في الإسكندرية كتبت ذات يوم فصلاً عن المسيو بوانكاريه رئيس الجمهورية الفرنسية أثناء زيارته لعاصمة الأنقليشيين (كما يقول الأندلسيون) أو الأنكتار (كما كان يقول المصريون في أيام الحروب الصليبية) أو الانجليز (كما نقول نحن اليوم) تلك العاصمة التي كان أهل الأندلس يسمونها لوندرس وعلى منوالهم جرى الاسبانيون إلى الآن، وهي لوندرة في اصطلاحنا عن الفرنسيين أو لندن في عرفنا أيضاً عن أبناء جلدتها.

قالت جريدة النوفيل أن المسيو بوانكاريه استقبل عشرين وفداً من طوائف الانجليز ورجالاتهم المعدودين، وكلهم قدّم له خطبة للترحيب بمقدمه إلى بلادهم. فأجاب كل خطبة بعبارة من الشكر تخالف ما أجاب به الأخرى. وهكذا استعمل الرئيس عشرين صيغة مختلفة في الشكر. فدل بذلك على تضلعه من لغته وتبحره في آدابها. وكانت هذه البراعة سبباً لإعجاب الناس بهذا الاقتدار. تلقف الإخباريون هذه النادرة فأطنبوا في مدحها وأعجبوا بالرئيس إعجاباً ما وراءه من مزيد.