للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من يستوعب لسان الفرس العذب ليعروه الطرب كلما أنشد: -

مائيم ومي ومصطبة وتون خراب ... فارغ زميد رحمت وبيم عذاب

جان ودل وجام وجامه بردرد شراب ... آزاد زاخاك وباد اوز آتش وآب

انظر كيف جمع أدوات الصفاء والأنس في سطر فيرتسم في مخيلتك لدى قراءة الربع الأول منظر المجلس والكؤوس والكانون. ثم إذا عرض لك الاعتراض عليه لشربه خرجت من أعماق قلبه صرخة خيامية:

فارغ زميد رحمت وبيم عذاب

أيها اللائم أليك عني فما أنا بخاش تعذيباً ولا براج رحمة أي بعد أن شقيت بنفسي وذبت حسرة بعد الدرس والبحث أصبحت لا أدري نفعاً في الرحمة ولا ضراً في العذاب. وإن للفتى في الحياة الساعة التي هو بها أن هو حظي بها وسعد فاز ون لم يحظ فقد جني على نفسه.

بيد أن هذا ليس قول المدمن ولا الجاهل الراغب عن رحمة الله الساخر من عذابه إنما هو يأس العقل القوي والروح الحائر. بل هذه وسيلة من وسائل إظهار الحزن والأسى.

أما عن صوفية الخيام فلست من القائلين بها. لأن الخيام لم يكن بطبيعته الفكرية ولا بحالته النفسية من فئة المتصوفة الضيقي الفكر اللائذين بأمور معينة يعتقدونها كل شيء إنما كان الخيام حياً شاعراً بحياته ومفكراً قوياً قادراً قوته قدرها والذين نسبوه إلى التصوف أرادوا تبرير قوله في الخمر والحب كما فعلوا في تفسير شعر حافظ الشيرازي البادئ ديوانه بالمطلع الآتي:

ألا يا أيها الساقي ... أدر كأساً وناولها

متى ما تق من تهوى ... دع الدنيا وأهملها

والذي دعا كثيرين ممن اشتغلوا بدرس آداب الفرس إلى انتحال الأعذار الصوفية للخيام والشيرازي ظنهم أن النفس البشرية اليوم هي غيرها بالأمس وأن أبناء القرون الخالية ما كانوا يلتمسون ملجأ من هموم الحياة في الحب والسكر وكل ما جاء عنهم في هذا الباب إنما هو مجاز وكناية على أن عشاق سقراط وابن سيناء لم يلتمسوا لأحدهما عذراً ولم يفسروا قولهما تفسيراً صوفياً لأنه لم يكن في حياتهما مبرر لمثل هذا التفسير ولأن أصحاب العقول