للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونحن ننقل القطعة الأخيرة من الكتاب. وهي جماع القول وفصل الخطاب: قال الشاعر لا مارتين:

أترون محمداً كان أخا خداع وتدليس، وصاحب باطل ومين، كلا بعد ما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته. فإن الخداع والتدليس والباطل والمين كل أولئك من نفاق العقيدة. وليس للنفاق قوة العقيدة. كما أن ليس للكذب قوة الصدق والحق. وإذا كانت قوة الصعود والمرمى في عالم الطبيعة والحركات الآلية هي المقياس الصحيح لقوة المصدر الذي تنفذ منه الرمية، ويظهر في الأفق من القذيفة. فإن العمل والفعل الذي يحدثه المحدث في علم التاريخ، وسجل الخلود. وكتاب الإنسانية هو المقياس الصحيح لمقدار الوحي. وقوة القلب والوجدان والفكرة السامية العالية التي تنفذ إلى مكان بعيد. وتبقى زمناً طويلاً. وتمشي في الحياة أبداً رخياً. وهي ولا ريب فكرة قوية صدرت من جنان قوي ولكي تكون تلك الفكرة قوية ينبغي أن يكون ظاهرها وباطنها الإخلاص وعلمها الأكبر الحق والصدق. وتروح معقولة يقبلها اللب. ويعتمدها الذهن. ولا ريب أن ذلك ينطبق على محمد ورسالته والوحي الذي تنزل عليه فإن حياته وقوة تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته، وجاهلية شعبه، وخزعبلات قبيله، وشهامته وجرأته وبأسه في لقاء التعذيب الذي لقيه من عبدة الأوثان. وثباته وبقاءه خمسة عشر عاماً يدعو دعوته وسط أعدائه وبهرة خصومه في قلب مكة وندواتها ومجامع أهلها. وتقبله سخرية الساخرين. وهزؤه بهزؤ الهازئين وحميته في نشر رسالته وثباته وتوفره عليها، وحروبه التي كان صفه فيها أقل نفيراً من عدوه وأصغر عدداً، ووثوقه بالنجاح، وإيمانه بالظفر وإعلاء كلمته، واطمئنانه ورباطة جأشه في الهزائم، وأناته وصبره حتى يحرز النصر، وطماعيته وتطلعه إلى إعلاء الكلمة، وتأسيس العقيدة، لا فتح الدول، وإنشاء الإمبراطورية، وإقامة القيصرية، ونجواه التي لم تنقطع مع الله، وموته وقبض الله إياه إلى جواره، ونجاح دينه بعد موته كل أولئك أدلة على أنه لم يكن يضمر خداعاً أو يعيش على باطل ومين، بل كان وراءها عقيدة صادقة، ويقين مضيء في قلبه، وهذا اليقين الذي ملأ روحه هو الذي وهبه القوة على أن يرد إلى الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة، ومبدأ مزدوجاً، وهو وحدانية الله وتجرد ذاته عن المادة، الأولى تدل عمن هو الله. والثانية تنفي ما ألصق الوثنيون به، والأولى حطمت آلهة كاذبة، ونكست معبودات