للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحالفة؟

كلا! فإن المحالفة لا تؤكد للدولة إلا عداوة من تخالفه ثم إنها لا تكفل لها صداقة من تحالفه.

فإن محالفة بين الدولة والدول لا يمكن أن تبرم بميثاق صحيح، لأن قاعدة التحالف بين أوربا لهذا العهد أن تتعاون على ترجيح نفوذها وتغليب كلمتها في المشاكل السياسية. وليست الدولة صاحبة نفوذ في السياسة الدولية فترغب الدول في ودها. فهي إن حالفتها لم تنو إلا أن تأخذ منها ولا تعطيها أو تأخذ أكثر مما تعطي. فيكون التحالف إذن أشبه باتفاق بين السالب والمسلوب، وكلما جادت الدولة بأملاكها كان الإقبال على محالفتها أكثر.

وليعلم العثمانيون أن تلك الدول لا تعضدهم ولا تتخلى عنهم إلا لمصلحتها. فإن عنّ لها وجه المصلحة في تأييدهم نصرتهم سواء كانت معهم أو عليهم. أو عنّ لها وجه المصلحة في التخلي عنهم خذلتهم، سيان المحالف منها والمخالف.

فخير للدولة أن تدير شراعها من كل ريح من أن تتقيد بريح واحدة. وأنفع لها أن تكسب عطف الرأي العام في أوربة كلها من أن تكسب الود الظاهر من بعض حكوماتها. وقد كان يتعذر عليها ذلك أيام كان تاريخها مرتبطاً بتاريخ المنافسة بين الغرب والشرق والمسيحية والإسلام، وكانت في أوربة دولة شرقية غربية. ولكنها بطبيعتها الشرقية لم تصاحب أروبة في حركة التقدم الحديث، فبقيت دولة غربية شاذة في الغرب، وأعقبت لها تلك الذكريات ضغناً ونفوراً في نفوس القوم أشد مما تقتضيه المنافسة الضرورية بينهم.

فأما اليوم وقد رفعت يدها عن أكثر البقاع التي كان بقاؤها فيها يحرك تلك العداوة الموروثة فربما تيسر لها ما كان يتعذر عليها بالأمس.

ولسنا هنا في مقام رسم الخطط السياسية التي تتوخاها الدولة، ولكننا نجس نبضها ونتلمس فيها مدب الحياة الكامنة، ونشيم برق الفرص. وهنا مجال للثقة والريب، والأمل واليأس، فإن كان ذوو المآرب في فناء الدولة يرجحون جانب اليأس، فليكن جانب الأمل أرجح في قلوب آل عثمان ولئن كان الأمل على قدر الحاجة فليكن العمل كذلك على قدر الأمل. (العقّاد)