للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تتقاضاه الإخلاص والطاعة.

فليس للدولة العثمانية إلا خطة واحدة تجري عليها في حكم شعوبها كافة. وهي أن تربط مصلحتهم بمصلحتها وتقيم نفسها محوراً تدور حوله مرافق تلك الشعوب. وإنما يكون ذلك بمد السكك التجارية بين أجزائها وتبادل المعاملات الاقتصادية بين ولاياتها وممالكها. وتصيير عاصمة السلطنة سوقاً عامة للتجارة. ومرجعاً عالياً للعلم والصناعة. وكعبة مقصودة في الخوف والرجاء. والشدة والرخاء. وعليها أن تصرف أبصارهم عن التطلع إلى الخارج سياسياً ومادياً بتعمير داخلها. وبسط الأمن والحرية في أرجائها. حتى يعود درؤها المغير على بلادها ذياداً عن حريتها ورفاهتها. قبل أن يكون ذياداً عن سيادة دولتها.

ولا يستلزم هذا الإصلاح سن نظام اللامركزية بمعناه المطلق. بل قد يغني عنه في بادئ الأمر تخويل الولايات حقوق الإدارة الداخلية، مع مراعاة منزلتها من الرقي والكفاءة لتولي الأحكام، وأحسب أن توزيع السلطة على هذا النحو يربح الحكومة الرئيسية من المتاعب والمشاغل التي تملك عليها الوقت من جراء الخلافات العنصرية، ويحسم هذا النزاع القائم بين الأحزاب. وما كان قط نزاعاً حزبياً بالمعنى المعروف في البلاد الأروبية. ولكنه نزاع مداره على المنافسات العنصرية في سبيل إحراز الوظائف وامتيازات السلطة، فالاتحاديون كلهم من الترك أو ممن استهواهم الترك بالمواعيد والآمال، والائتلافيون عناصر شتى تجمعت لتعدل كفتها كفة الترك ويسمع كل منها صوته بلسان العناصر كلها، وما مبتغاهم جميعاً إلا الوظائف والسلطة، فإذا أحرز كل منهم قسطه منها في بلاده خفت وطأة نزاعهم عن الحكومة وتحولت أكثر مساعيهم إلى إصلاح تلك البلاد، وتجمعت قواهم في مواضعها بعد هذا التفرق الذي يذهب بمساعيهم أيدي سبا.

وهناك من زعماء العثمانيين من ينظر إلى الخارج أكثر من نظره على الداخل. فهؤلاء همهم الأول الانضمام إلى أحد الجانبين اللذين يتجاذبان النفوذ في أوروبة. ويقولون أنه ليس علينا الآن إلا أن نأمن العدو الأجنبي ثم نطمئن إلى إصلاح بلادنا. كأن تلك الدول ستتولى حراسة التخوم العثمانية بعد انضمام الدولة إليها، ثم تأخذ عن عاتقها مراقبة السياسة الخارجية!!.

نعم إن الأمن من جهة الخارج واجب من أكبر واجبات الدولة ولكن كيف يكون ذلك؟ أبا