للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مؤرخي العرب مقصرون وأن تفريطهم قد ألبس ابن الرومي برداً كثيف النسيج غليظ السرج لا تنفذ العين فيه؟

وليس ينزلنا عن رأينا هذا ماعسى أن يحتج به خصومنا في المذاهب من أن البيت الواحد من الشعر كان يرفع القبيلة أو يحط منها وأن القبيلة من العرب كانت إذا نبع فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها وصنعت الأطعمة واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر وتباشر الرجال والولدان وأن أمراء العرب وخلفائهم كانوا يقربون الشعراء ويملأون أكفهم بالعطيات، وأيديهم بالجوائز والصلات، وينزلون منهم في أمرع جناب وأصدق منزل، أو غير ذلك من الحجج والشواهد والنصوص التي لا تدفع قولنا ولا تديل منا وإن كانت في ذاتها مما لا يماري فيه ولا ينكر صحته.

وذلك أن الهجاء والتشهير وخبث اللسان أوجع ما يتجرعه المرء وتتوجره النفس وما زال الناس في كل عصر يتفزّعون من ذلك ويتوقونه بكل ما في الوسع والطاقة تارة بالعطاء الجزل والنائل الغمر وأخرى بالمصانعة والمداراة أو الوعد أو الوعيد، ومن ذا الذي يرضى أن تشتهر له شهرة فاضحة وسمعة قبيحة، بل من ذا الذي لا يتقي الذم ولا يحفل بالغضاضة ولا يبالي ما قيل فيه؟ أو ما ترى كيف أن الكلمة الواحدة تخرج من فم الرجل قد تعطل تجارة أمة بأسرها وتفقدها ثقة غير هابها؟ والعرب قوم أولو سذاجة شأن كل البدو وسكان الخيم فليس بمستغرب أن يتخذوا من أبسطهم لساناً، وأقواهم عارضة، وأوراهم زنداً، وأسمحهم قريحة، درعاً يحمون بها أعراضهم ويذبون بها عن أحسابهم وسلاحاً يستظهرون به على خصومهم ويستطيلون به على أعدائهم كما كانوا يتقنعون في الحديد لصيانة جسومهم وأموالهم وحريمهم وكما كانوا يعدون الخيول للملاحم والزحوف، وليس بعجيب أن يبسط الخلفاء أكفهم للشعراء بالنوال والمبرات فإن ذلك أطلق لألسنتهم بالمديح وأكفّ لها عن القدح والطعن وأصون للملك وأحفظ له من الضياع.

هذه هي حقيقة الحال، وواقع الأمر، وليس في ذلك ما يدل على أكثر من أن الشعراء كانوا بمنزلة الخيول والسيوف والدروع أو ما يُتفكه به على الشراب من النقل وما تزين به مجالس اللهو من الريحان والورد.

مهما قيل في الاحتجاج للعرب والنضج عنهم والتنصل لهم مما نحدجهم به فإنه لا ريب